![]() |
خاطرة عن سبتمبر أيلول |
لا زلت عنيدا، في كل سنة تسمني على الخرطوم و تذهب،
ما تستعطف أحدا فكيف بي ترحم أو ترغب،
علمتك من الوهلة الأولى فيك أسرار تتعب،
و في ذات الآن تترك في الذاكرة إبداعا لا ينضب.
لكنك بالمقابل تكيد تريد كسري و تغضب،
و أأبى أنا إلا أن أتمرد و أكتب،
و أترقب بوادر المطر كي يغسلني و يجلب
معه كل نقاء و سخاء يشبهني في العطايا،
حيثما حل يسكب،
حبا أملا وردا بسمة تذيب و تصحب،
و تترك أثرا طيبا في النفوس لا تملها لا تتعب .
أشفق على من لم يروا في المرء إلا قشورا،
لم يروا جوهرا كيف ينشد و يطرب،
ما همني من ظن أني على شاكلتهم أغدر و أنهب،
و لكن عزت علي نفسي، حيث كانت تسعف و تطبطب.
سأظل يا أيلول غصنا شامخا بالأمل،
و بأوراقك سأبني معلقة في الوفاء تحيا لا تنضب.
يوم من عتبات سبتمبر
و يوم كهذا لا يتطلب منا الكثير حتى نكون جيدين. يكفي أنه يوم شتوي بامتياز و غائم، و مثير بكل ما يحمل معه من قطرات مطرية تنظف الأرجاء. تخفف وطاة الشمس القاسية و تعيدنا لحلقة الفصول و بداية الفصول. أن تكون مطريا لاأعلم كيف أشرحها و لكن، أحسها أن يتحرك شيء بداخلك مثلما تتحرك الغيوم في السماء. أن تنسجم مع التغيير الأصفر و أن ترتدي الأصفر بعينيك بينما تظل تحب كل الألوان.
الخريف هذا بقدر رمزيته المخيفة بقدر كنه سره الغامض في أسر وجداني
بالذات. أعترف بالجمال الذي أستشعره في هذه الشهور. و كما لكل وقت مزاياه. فانا
اعتبر نفسي ياسمينا متعطشا قد آن الأوان أن يتطهر بسخاء. جاهز هو لتقلبات المناخ
مادام ليس للحر كر حاليا أو عودة. فلتبدأ معزوفة القطر... و على صفحاتي فليبدا مخاض
الكلمات....
بوح الخريف
قبل أن ينقضي أيلول، سأخبرك من أكون
أنا إن أنت أخطأت العنوان،
أو أصبته فأنا ببساطة إنسانة لا تعرف النسيان،
في الخير أو الشر لا يهمني ما تختاره أو تقوله،
لكن لا بد أن تعرف حقيقة الإدمان،
الذي صرت أعيشه مع الكتابة.
إنه ليس الحرمان،
فالفقد لا يعطي و لا يغذي ذاكرتي
لا يجملها بالألوان،
الفقد يفقد المرء أنسه
يجعله وحيدا يصارع الأزمان،
و أنا أجدني كلما أمسكت قلمي
استيقظ بداخلي الفنان،
و صار يبوح ولا يبالي
بما لم يكن أو كان،
المهم أن يهدي العابرين
على صفحاتي إلى شط الأمان،
إنه يحررهم من كل القيود
فيجدون في أبياتي للمحبة عنوان،
و يأخذون فسحة تحت ظلال القوافي
الرقيقة و يعزفون الألحان.
هل تعلم أن القلوب مخلوقات روحانية
تستطيع أن تتواصل دون استئذان،
إنها تستطيع أن تفهم ما خلف السطور
و تجيب عن ما لا يجيب عنه اللسان.
لقد كسبت بفني قلوبا من ورق
لا تعيقها المسافات و تكتفي بحسن الإنصات.
إنها تشبهني في أشياء كثيرة
و تتقاسم معي مختلف الأشجان.
إن قاموسنا غني عن المساومة،
و في الشدائد تخف جراحاتنا و الأحزان.
إن ربي وهبني قلوبا لا تعرف الخذلان.
إن شغفي كان لا بد أن يتجلى
و ينتصر على كل بهتان،
إني أكتفي بكتاباتي فأجد الأمان.
***********************
حنين إلى الخريف
الفصل خريف، و الجو لطيف، و الهواء بارد منعش خفيف. و الغيوم ممتلئة عن آخرها، لكنها لا تمطر. جو ملهم للكتابة مثير للاهتمام . يمضي الناس في الشوارع، في شؤونهم في صمت، تتحرك أوراق الأشجار،تتمايل و تعزف على لحن الرياح، تأتيني رائحة المطر القادم، أستشعرها من بعيد.
جو كهذا يوقظ في أشياء، حرية الطفولة و فرحتي مع أمي و أبي و رائحة الجو العجيب توقظ في الحنين. و مهما أتجاهل دموعي تصر على أن تنسكب و أتذكر أمسية كهذه و أنا صغيرة بينهم.
إخوتي عائدون من الخارج، يجتمعون حول الشاشة من أجل الطعام، و صوت الريح يزعزع الأبواب و النوافذ. و أين الوجوه التي كانت منيرة و تصنع الحدث. غطاها الثرى، و الأخرى جرها الزمان كما جرني لسننه و قاطعنا هدوء ذاك الزمان و صفاء صبحه و مساه.
لو كانت هناك مركبة زمنية تسافر بي تحطني هناك ساعة. أشحن منها الخواء الذي بداخلي و أندي نبات الذكريات فليس الموت يحن و لا أنا استطعت أن أتناسى أياما أعتقد أنها الأجمل و الأقصر في مختصر الحياة لدي. ربما هي ساعة حنين كحنين الناي لجذع الشجرة .
أتخيل هناك فسحة من أيام الخريف الباردة الدافئة، و صويحباتي معي نركض و نجري غير مباليات بالوقت، نسابق الريح و نلحق بعضنا ساخرات ضاحكات نتذكر إحدى المواقف التي تعرضنا لها نحن أو زميلاتنا أثناء الفصل فنرتمي على ما تبقى من العشب المائل و نتدحرج ككرة لولبية ثم نقوم لنركض من جديد.
يومياتنا الطفولية كانت ربيعا في كل الفصول مع أننا لم نكن ندرك هذا و لا نقدره.
و اليوم ها نحن ندرك كل شيء و قد تركنا كل شيء.
موعد مع الطبيعة هو موعد مع التجرد من عداد الزمن. هو فرصة لنستعيد معها ذكرياتنا فتعطينا من أنسها و تضفي عليها صفاء الحضور.
هب أن الزمان جاد علينا بلحظات كتلك، كنا سنمضي بلا تردد و بكل تلهف و حماس، نشبك الأيادي و ننشد معا
*سر بنا
سر بنا يا خليل
حيث لا ينتهي المسير
سر بنا بين الأشجار الكثيفة
حيث لا سائر يسير
و دعنا نرتقي مع صمت الطبيعة
نرتشف منها الصدق و البساطة
نتسلح بالصبر و الصمود
لنشق طريقنا العسير
لنطل مكوثنا هاهنا
و نتحرر من مخلفات الماضي
و مزعجات الحاضر
و لا نكون للقادم أسير
فهنا نغتسل من الزيف و الأوساخ المتراكمة
العالقة في أذهاننا
هنا يعبد الطريق و تتضح الاتجاهات
و الرؤية تستنير
و في عودتنا نستأنس بصوت الغدير