قراءة سريعة و محاولة تحليلية لما تمر به أحوال الأمة من أزمات فاقت مفهوم الأزمة. على ضوء ما نعيشه من احداث جسيمة في قلب العالم الإسلامي و ما يعانيه أهله من حصار و اضطهاد و تنكيل. أوجدت لنفسي زاوية في الزمان والمكان لأتحدث عن أبرز أسباب الهزيمة إزاء كل ما يحدث
![]() |
شاهد على العصر. مقالات |
و لماذا العجب، أو الاستغراب من الصمت و الاستكانة و ذهاب المروءة. أليست نتيجة حتمية و تحصيلا حاصلا لما سبقها من خذلان و تخلي عن كل ما يمت بأواصر بنيان الجسد المسلم، بل الجسد العربي برمته و بكل ما يعنيه بدءا بمكارم الأخلاق التي كانت في زمن الجاهلية و مرورا بما أتمه صانع الحضارة الحقيقي محمد صلى الله عليه وسلم.
وصولا إلى النسف الكامل لدور الللغة العربية من جوهر و مصدر لباقي العلوم إلى جعلها مجرد رمز إلى حد الاستعار منها و النظر إليها بدونية لا تقوى على مواكبة (الحضارة) التي يزعمون.
تعجبني مقولة للدكتور حسن أوريد في كتابه رواء مكة حين يقول: اللغة الركيكة، التواطؤات، الشوبينغ، حتى شويينغ، الأسلحة المتطورة ، الكازينوهات، الرقص الشرقي هي أعراض بخروج العرب من التاريخ . و كأنه يقرأ حال ما آل إليه العرب .
في الواقع ما آل إليه حالنا لم يكن يوجب منا الدهشة أو الاستغراب بل الأحرى أن نكون على استحياء بما كسبت أيدينا. حين يتخذ المرء الغرب كنموذج مطلق و ينفي عنه النسبية أو يلغي ما له في هويته من استثنائية و خصوصية فيأخذ كل ما يأخذه ك" باكج" يصدم به نفسه. يصطدم بتاريخه الأول و يقتنع أن ما كان يدعو إليه من قبل أكذوبة أو منقصة فيقلد بحثا عن الكمال و التكملة أو طلبا للتقبل و الموافقة، فلا تسأل عن ما سيتخلى عنه هذا الإنسان في سبيل الحصول على ذلك.
إن النتيجة المتوقعة التي كان بجب أن تلامس كل عاقل عربي هو الحسرة و أخذ العبرة محاولة لاستجداء و إنقاذ ما يمكن إنقاذه لخلق توازن مجدي للاستفادة من الأخطاء الفادحة، و لكن كل هذا و مع شديد الاسف لم يكن في الحسبان. و كان معظم الناس اللاهية و الملتهية يتوقعون من حقبة منزوعة القيادة مسلوبة الإرادة أن تدافع عن الكرامة باستماثة.
ماذا يسعنا في هذه الظروف المعتمة إلا أن نتأمل و ندرس الخلل الذي جعلنا نتخلى عن شعورنا الحقيقي بالوحدة في الأهداف و القيم و الانتماءات المشتركة حتى نتخلى عن النصرة في مكان يستوجب النصرة و لا يقوم مقامه شيء. و نتخلى عن الصدح بالحق و النهي عن الظلم أو حتى الإشارة إليه لربما كان ستشفع لنا مواقف عن مواقف و لكن الضربة كانت قاضية لدرجة أدخلت الضمير العربي و الإسلامي في غيبوبة شلت حركته و أفقدته الأهلية في التعبير أو تقرير المصير. و عوض أن نعالج المرض المتفشي فينا نلقي اللوم على العضو الوحيد السليم في هذا الجسد. فاعتبروا يا أولي الأبصار.
سيناريو لم يُكتَب بعد.
لا تسل عن سلامته، روحه فوق راحته
و في إحدى فصوله رأيت ما لم يخطر على بال. رأيت ما يشيب له الولدان، رأيت الحجارة ذات وجه و أطراف تضرب و تضرم النار على أجساد الصغار و تحرق بكل استمتاع أفئدة الكبار. سمعت مناديا ينادي،" حي على الجهاد" لا مجيب غير الذين في المشهد. يذهب الصدى و يعود و تردفه ضبابات دخانية ركامية ثم تسيح الدماء و يتكرر المشهد.
و يصبح الصباح و يتعب المكلومين من الصياح فينقطع الصوت ها قد عم الموت و بَُعيْد الانفجار يولد انفجار، و يبدأ مخاض و احتضار و يسلب سلطان الموت ما شاء الله أن يسلب من خيرة الأخيار، يصطفون كالملائكة يلبون النداء.
شهادات من رحم المعاناة
و يتغير المشهد، في نفس اليوم و في نفس اللحظة يريبني المشهد، فلا أستطع تصوره، أجساد أعاد الجوع والخوف و الجفاف تشكيلها فأصبحت فانية إلا من شكوى و من تسبيح فهي كالأشجار تعوي و الرياح من وسطها تدوي و لا مجيب من البشر، على هذه الأرض كل شيء صار يتمنع عن تقديم شكل من أشكال الحياة.
و هناك كان المشهد، المشهد الذي لم أره من قبل و لم تغادرني صورته، عظام رميم تختضنها أم مكلومة في ولدها، يبدو أنها تعرفت عليه بعد عام من الحزن و الضيم. و رأيت مشاهد أخرى لا يمكن حصرها أو حتى تصورها و لكن، في كل صورة كانت تأتيني صورا تقريبية و مشابهة لمعنى آيات من القرآن تتحدث و تصف أحوالا من يوم القيامة. فوجدتني أتساءل :
لم تنته الحكاية
هل أنا في القيامة أم هي قاب قوسين أو أدنى توشك أن تكون. حاولت أن أصف للناس هول ما رأيته في تلك المشاهد. لكنني صُدِمت و أصاب عقلي الشلل، لقد علمت أنهم كلهم يعرفون و قد رأوا كل المشاهد و لم ببدوا استغرابا و لا غضبا و لا رحمة و لا رعبا.
و رأيت الرعب يتسلل إلي وحدي... علمت أن الأمر جد، علمت أن الله حق، علمت أنني على مشارف القيامة. قيامتي أو موتي، فلم أعد أدري أهو إمهال ثم أخذ أم إمهال ثم توبة و لكنه مستحيل أن يكون إهمال فقد كانت ملاحم في بقعة واحدة و أصحابها يعدون على رؤوس الأصابع.
كانت دمائهم أسخى من نهر النيل و لحومهم تتقطع أكثر من زقرات النفس حتى انقطع النفس و أدركت أن للأحداث و الحديث بقية و لكن بشكل مختلف مختلف تماما.
يتبع
" لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ "كما ورد في القرآن الكريم.
إما أن تذوب في الجماعة و تنسى نفسك، و إما أن تعيش غريبا و تغرد خارج السرب. هذا ما آلت إليه قناعتي. و لكم ستعاني أيها المسكين حين تختار الثانية، فتتكلف لتستمر في العيش منسجما مع ذاتك و لا يفهمك غيرها، فكيف تفكر حتى أن تشرح لغيرك ما تشعر به. حتى المحاولة لا تجدي نفعا، لطالما كان التشابه أقرب للتجمع وأدعى للانضمام، فكيف بك أنت لا تحمل نفس أهدافهم و لا تشعر بالارتياح في وسطهم فهل يعقل أن تطمئن حتى و إن حاولت، هل تطمئن لرحابة صدرهم أن يسمعوك و لوضوح سطرهم كي يقرؤوك و لا يسخرون.
من يدري، هل جربت من قبل، هل تتحمل تبعات ذلك... إن كنت تقدرْ، و لا تقدرُ على تحمل هذه الأفكار وحدك، فاطرحها إذا، لعله هم يُزاحَ أو وهم منه يُستراحُ.
أنت أعلم به من غيرك. الأهم ألا تستمر في معاناتك التي قد تطول. سكتت هنيهة. عدلت عن أفكاري، لا، لا يمكن أن أيوح، كل ما بداخلي و إحساسي الداخلي يدعوني لأصمت و أضمر ما أشعر به مخافة أن أظهر كمدع للصلاح في زمن الضلال أو ساعيا وراء شيء مبهم لم تتحدد بعد ملامحه، و أنا في غنى عن كل هذا ، سأدع التفكير فيما بعد،
غفوت ذات مساء، و نهضت على صدى الأخبار، الأخبار المزعجة و المؤلمة و السالبة لكل أمان. تزعج الروح أكثر من الخاطر. فلبئس الأخبار التي باتت تلاقينا حيثما حللنا و ارتحلنا.
نهضت من نومتي القصيرة المدى، وجدت عقلي يتساءل و موازاة مع ذلك، ضربات قلبي تتسارع و تتزايد مع أنني كنت في حالة سكون.
هل يكون نوع من الجننون ما نعيشه هذه الأيام، مجازر تتلوها أخرى، لا فاصل بينهما إلا إعلان يتداركه إعلان، و ما فُقِد ثلة و ما يذُكَر منهم إلا قلة، هل يسامحنا الله إن تبينت لنا مسؤولية فيما يجري...؟ لا أدري.
و كيف أوقف هذا الهلع الذي يتلبسني، و ما هي الدواعي التي استجلبت هذا الوعي العميق، بعد أكثر من عام من الحزن و الصدمة، لم استوقفني هذا السؤال الآن، و كيف أجد الجواب المقنع الذي لا ريب فيه. أنا أملك كل اليقين بأن الجواب لا يوجد عند أحد، هذا و إن وجد، فلا أجد من يحمل الجرأة ليجيب عنه بكل منطقية و يقرأ لنا الأحداث بلا تأويلات.
...؟...؟....؟!
سيبقى الانتظار يحملنا كل هذه الأيام, و نحن نتطلع كل يوم ،كل ساعة، كل لحظة لبصيص الأمل، لنسمع يوما ما : لقد تقرر و قف إطلاق النار، أو، إن الثورة التكنولوجية بدأت تنهار فنعلم حقا أننا نستطيع أن نقرأ الحياة من منظورات مختلفة.
و لكن لا أجد ما أختم به مقولتي أحكم من هذه للآية فكما افتتحتها بآيات الله أختمها و أقول: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.