في فصل الشتاء، و حيث يكون دفء الجو و تخلو الطبيعة من كل الأصوات إلا صوت المطر، يحلو الحديث و تحلو معه الكتابة و تتنفس الأقلام. أجدني منحنية على يومياتي أدون بنات أفكاري و ما يخالج بواطنها . هي خواطر لكسر روتين الحياة و ضغوطها و لاختلاس أوقات منها، جعلتها على شكل فقرات.
* سأبتسم، لتزهر مرة أخرى، سوف أخلد للصمت حفاظا على طاقتي، و لأشدو مع قدوم الربيع. أنا ريحانة حرة، سأحتفظ بعطري لأيام الشتاء الدافئ، سأقتصر على الملاحظة و أنتظر مرور العاصفة...
إن في داخلي آلاف الحكايات، و إني أوثقها كل يوم للحظة المناسبة. إني أتوق لسماع وقع قطرات المطر على السقف ليلا و رائحة التراب المبلل بماء المطر و هزيم الرعد.
و عندما تبكي الأزهار حنينا لفصل الربيع و هي تغتسل بالماء الطاهر الزلال. حين تكفهر السماء و ترتدي وشاحها الرمادي و تعلن بقدوم فصل الشتاء، أنا أحيا من جديد.
إنها متلازمة أنا و المطر، سر دفين خلق معي أو خلقت معه لتستمر حياتنا بلا عقد، حتى أنا لا أفهم، أجدني أنتعش في هذا الفصل بالذات، و رغم قساوته إلا أني أشعر بطعم الحياة الحقيقي و تتولد طاقاتي و تتورد أفكاري فأجدني أترنح كلما توقف المطر و أتبعه خرير المياه في الأنهار، و الناس يختبئون من المطر و أنا وددت لو أتجرد ليلامس المطر روحي فينعشها.
عندما أنظر للغيث ساعة النزول، أتذكر الخير الذي نعمله و لا يثمر أثره في البعض من البشر. كذلك بعض الأرض، لم تكن ملائمة، و لكن هذا لا يعني أننا كنا بلداء، نحن فقط قصيري النظر و سيثمر الخير حيثما يجد وسطا ملائما. لن نتوقف عن الخير بحجة من يستحق أو لا يستحق. نحن الناضجون لا يمكننا أن نقسي قلوبنا في حين يمكننا أن نحميها ممن لا يقدرها. فما أجمل أن تكون مثل المطر، حيثما حل نفع و أثّر.
👈المطر
أنا بخير
انا بخير طالما هنالك مطر
طالما أني أستطيع أن أغتسل
بقطرات المطر كما يغتسل الشجر
أنا بخيرو سأظل بخير
لأني أملك كنوزا و نعمة النظر
أنا أهواك أيها المطر
أهوى سخائك
أعشق سلطتك
أتنفس حياتك
فلا تتركني و ترحل
فأنا ببساطة
أهواك أيها المطر
كن قويا
كن عنيفا
كن ما تشاء و افعل ما تشاء
لكن تمهل وابق معي
في مشواري أيها المطر
أنت الحياة و فيك أعيشها
أنت العظمة و منك أستمدها
أنت البركة و منك أتعلمها
أنت آمالي و بمائك أكتبها
فلا تتركني وحدي أيها المطر
لا تتركني و ترحل
فالفؤاد بعدك خراب
و الأحلام قبلك كانت سراب
و كل إحساس في غير فصلك خالجني عذاب
أنت أنا و منك أنا
فلا تتركني حتى يواريني التراب
أنا بخير طالما أن هناك مطر
أنا أعشقك أيها المطر
*******************
👈انعكاس هو لا غير
أن يرحل الصيف ولا يأتي المطر
و تجف الينابيع و تبكي الأغصان
فهو حالة عادية لحياة اعتيادية
ما دام في القلب جفاء و قسوة
و في العقل غباء و سهوة
و عن الخير إعراض لا تقوى
هو نتيجة حتمية ليتوقف المطر
عن العطاء و الجود
كما توقفت أيدينا عن طيب الأثر
و القدر لا يظلم مثقال ذرة لا بطر
فلا تتعجب إذا انقطع الكلأ
و أمسكت سماؤنا عن المطر
لا تنتظر الخبر
ما أسوء الخبر
تدارك غيومك المنسية
و املأها بالعطايا و الدرر
جد لتنال ما تحصد و ذر عنك ما ليس بيدك
حتما سيأتي المطر
حينما تدرك أنك واحد من هؤلاء البشر
و تجعل همومه همومك
ستخضر أيامك
ستظهر غيمات الفيض تستبشر
بعودة الزهر
و تعود بسمتك و ينتهي الخطر
***********************
👈تقصير أم غدر
على أجنحة النوم
أحلام وردية
تحت هدوء القمر قصائد شتوية
تعاكس الساهرين ترقبا لهلال المطر
تأخر المطر. على من يقع اللوم ؟
على أجنحة الفضا
أقدار جليدية
تحت وطأة الصبر دموع منسية
تنافس الراقصين على جراحات العمر
تقدم العمر. هل في ذلك لوم؟
تغيرت طباعنا و تحدياتنا
تعقد الأمر
من يصلح ثقوب جيوب معروفنا
من يغرس فينا شتائل الأمل
لنتخطى أشواك الظلم بلا وجل
صعب زماننا
انبثر الشجر
من يتصدق علينا
بتطعيم لمقاومة أمراض العصر
اغترب العصر
وجئنا على حافة القبور
نستجدي أولئك الذين غادروا
ولم يروا مئات المستحيلات تتحقق
وها هي تجني الويلات
فأين المفر
هل نتقدم أم نتأخر
من منا يدرأ عن نفسه عذاب القبر
من فينا يضمن دخول القصر
مع السابقين للجنان
من منا سلمت سريرته فتخطى الأمر
استفهامات تظل تنقش الحجر
لعلها تغير شيئا أو نتدراك بها أهدافا عابرة
قبل أن يصل عداد حياتنا لنقطة الصفر
👈لعشاق المطر
* هلم نسافر في لحظة قطر لوقع المطر، و يأخذنا صوت القطقطة على الأرصفة و يعمنا الصمت. ولا نسمع إلا قطرات المطر. حضور جميل جليل، يسمعه الجميع و لا ينصت له إلا العميقون أمثالنا. هدوء يصل من عالم الإيمان بكل الجمال، بالله. بالحب، بالحياة و أشياء أخرى لن نستشعرها إلا في حضرة المطر، كأننا نبات يحتضن بهشاشته قوة المطر، فيستقبل نعومته ثم يتحمل قسوته ليزهر فيما بعد. كأن قلوبنا تحتاج أكثر مما تحتاجه بطوننا لأهمية المطر. فإذا كان الغيث يحيي كلأنا و يسد جوعنا، فهو ضمنيا يطمئن إحساسنا الداخلي أننا أحياء بالمشاعر الإيجابية، نتقبل الحياة بتجددها كمحطة تنعش العمر. تمسح غباره و تسقي أحلامه بعبرات الغيوم القادمة من هنا و هناك، لتوحد العطاء و تطرد الوباء قلبا و قالبا.
فعلا نحن عشاق المطر عاشقون بامتياز لنعم الحياة .
★★★★★★★
*هذا المطر مخيف حين يقسو و ينسى الألفة و ملح العيش و جميل الأشياء .
هذا المطر سخي جدا لحد يجعلني أنسى مخلفات الأمس القريب و يحثني مرة أخرى على الحب
و يهمس لي كي أطرق باب الأمل
نعم الأمل فيك و في أقلامي كي تبقى نابضة تتنفس و تطرد سموم الأفكار المترصدة .
هذا المطر قوة و رسالة توصلنا إلى القوة الكبرى و العطاء اللامحدود حتى نتيقن أن الحياة ليست دائما مخيفة و لكن الجهل يزرع من حولنا ألف حاجز.
هذا المطر دفئ و حري أن يكون كذلك و إن تغير فليس إلا لأننا أخللنا التوازن و أسأنا التقدير.
هذا المطر قدر و ضرورة لا مناص منها لنشعر بالوجود و نثبت الوجود و داخل هذا الوجود دائما نشاز حتمي ليستمر الوجود .
★★★★★★★★
تناديني الأقلام لنعيش لحظة سويا قبل أن يمضي الزمن. برغم ما تغير بداخلنا، برغم ما فقدناه، لا تزال الطبيعة تهدينا من خيراتها بفضل الله. لا نزال نتذوق طعم الخريف بشكل آخر وهو يشرف على الرحيل.
لحظة صفا
نحن في أواخر تشرين الثاني، و عشقي للطبيعة ليس له أول و لا ثان، كأنني قطعة داخل النسق الطبيعي . كيف لك أن تكون شاعرا إن لم تشعر بالكائنات من حولك، الكائنات التي ما أتت إلا لتخدمك أبها الانسان الجاحد.
جرب مرة أن تسافر في رحلتك مع الطبيعة و السماء و النور و النجوم و النباتات. جرب أن تستشعر وجود هاته النعم و تكون عاشقا للحياة، لنفسك، تواقا للعطاء كما الشمس التي لا تبخل و الليل الذي لا يمل، لأنهما مأموران مسخران لك لتقدر العناية التي حباك الله بها.
لم يكره ربنا ولا يحق في ذاته أو صفاته الإكراه هو جل في علاه لو شاء لخلقك و تركك، لكنه حيي لطيف كريم جواد. أفلا تستحيي منه و تشكره، ألا تخجل من نفسك، و تصر على جحود نعمه أو تتجرأ على معصيته.
لحظة شكر
فكر و فكر ثم فكر، كيف من الممكن أن تعيش بلا خسائر، أن تعيش في انسجام مع تراتبية الزمن و الفصول، تدارس سنن الأولين و ابحث عمن عشقوا الشروق و بنوا أماني في الغروب، اقرأ عن أولئك الذين لم يتمكنوا من إحصاء النعم حتى يسألوا الله المزيد.
كيف رغدت عيشتهم ، كيف أنسوا بالأرض و السماء و لم يطمئنوا لهما، كيف يمكن أن تستخلص من شهادتهم طريق سعادتك لتستمتع بالعمر، بالشهر، بالأيام و باللحظات كي لا تفوت، أو تتحسر على ما فات.
بخلاصة، ابدأ من خبايا نفسك و قرر أن تكون جميلا يصير بك الوجود جميلا وتهدي الآخرين جمالا. هي كلمات من القلب لمن أراد الحياة.
هو الخريف، ككل سنة يذكرني بك و بيوم رحيلك و بينكما متشابهات. في الغدر و الرحيل و غرابة الإحساس، كلاكما قاس،، يمضي يجر معه أحلاما لم يكتمل نضجها فتختلط بتلك الأوراق الصفراء الهشة و تنساق مع الرياح.
لكن المفارقة هنا أن الخريف إذا حان أوانه يعود. أما أنت فمستحيل أن تعود و قد رسمت حدودك مع الرحيل الأخير.
أبقى أنا للجداول مؤنسة، أروي ذكرياتي و أرميها للمجهول
عساها تخلصني منك و من الماضي...
و أتشبث بفصل الخريف رغم قساوته لأنه يخضعني للتعرية فتنكشف ثغراتي و تتجدد عواطفي فأعشق الفصول بكل حالاتها و أكتفي...
عاشقة للمطر في منتصف أغسطس
الحنين إلى الشتاء يستفز مشاعري... هذه الغيوم توقظ في شعلة الوهج و تدعوني لأركض تحت أوراق الأشجار الصفراء هي تتطاير، و أنا أتطاير معها و أرمي بما ذَبُلَ في عقلي من أفكار. يبدو أن فصل الخريف قد أتى مبكرا.
صوت الرياح يحملني عبر الأثير... يدعوني للتغيير ، و يحرك بقوة مختلف الزوابع لأنتبه لها، كأنه يقول لي: منتصف أغسطس محطة فارقة ببن الماضي و المستقبل. التخطي ضروري لألم اليوم و الارتباك لا يجدي نفعا.
أن يكون استشعار الطبيعة و تذوق حالة الجو فهذا لا يؤكد إلا التحام النفس بالروح و انسجامها في النسق الطبيعي الخارجي. و لتكتمل نشوة المشهد فالمطر أساسي لتكون الواقعية و الجمال.
في انتظار رائحة التراب المبلل، سأمضي في هذا الجو المثير... أمشط الطرقات و أعاكس الرياح .