لا شيء جديد هنا، غير شمس تطلع كل صباح و القدر يحصد نصيبا منا، يأخذه حيث لا نعلم و تغرب الشمس التي طلعت و يأتي القدر بأرواح جديدة. لا شيء يعلو فوق صوت العادات و المكتسبات. طيور مهاجرة تحتل الصدارة في الشجاعة و المغامرة، مع أنها مخلوقات ناعمة و ترحل دون تردد للقدر المحتوم المكتوب هناك.
حكايا و صور تمضي كما وقت العصر يطوي رداءه و تبقى الأماني المسكينة الدفينة وراء القضبان، تعاني في كبد إلى أن يقدر لها أن تتحقق فتنتفي منها سمة التمني و الشغف و تصير شيئا بديهيا. بين الفينة و الأخرى، نخلق لأنفسنا أمنية لتستمر حياتنا بلا ملل. الطفولة حلم بعيد للكبار و تقدم العمر حلم الأطفال. سالب و موجب يتأرجحان و هما لا و لن يلتقيان و لكنها سنة لا مناص من وجودها في ميزان الحياة .
.png)
مجموعة قصصية قصيرة سفيرة السعادة
قصة👈 سفيرة السعادة
⧫ جاءت ذات يوم على استحياء، تختبر حظها في المال و السلطة و الحب، وجدت كل الأماكن ممتلئة و عادت خاوية الوفاض لترتطم أثناء عودتها بشجرة، وقع منها عندليب مكسور أحد جناحيه، خلفته العاصفة الأخيرة غير آبهة بنعومته و لا بجمالية عزفه التي يضفيها على هذه الحياة.
أخذته في لين و احتضنته و حاولت مداواته فتحسن. و عزف لها معزوفة مغايرة، و قبل أن يودعها سألها: لم أخذتني و اهتميت لأمري في ذلك اليوم العاصف دون غيرك من الناس؟
استغربت و ردت مسرعة: لأنني ببساطة مثلك، تنكسر أجنحتي أحيانا فأحتاج إلى من يجبرها، فشعرت بحاجة لأرمم جراحاتي بشكل آخر ربما تقل معاناتي.
نظر إليها بإعجاب و دهشة و قال: ليت الناس يفكرون مثلك و يعلموا أن كل التفاتة هي في المقابل هي جبر للنفس قبل أن تكون للغير، فكم من العصافير تذروها الرياح و كم يلزمها من ملائك رحمة لتنقذها.
قصة 👈نية أبلغ من عمل
.png)
⧫ أدركت قبل فوات الأوان أنها كانت تزايد في كل شيء و تعيش على مجموعة أكاذيب، اعترفت أخيرا أمام المرآة أنها كانت مخطئة و أدركت أن المستقبل ما يزال بيدها وأنها بإمكانها أن تصلح ما فات و تودع الخمول إلى الأبد.
أخذت مذكراتها لتكتب أول خطوة في حياتها الجديدة التي أقسمت أن تملأها عوض الأحزان بسمات. كتبت برنامجا للغد و قالت أنها ستبدأ يومها بالالتزام بواجباتها فقررت بعد أن تصلي الصبح أن تمارس حصة الرياضة و هي تستأنس بطلوع الشمس.
حددت الساعة التي ستأخذ فيها فطورها و أنها بعد ذلك ستتوجه للتسجيل في الجامعة لتتابع دراستها التي انقطعت عنها منذ مدة طويلة. ثم إنها قررت و هي عائدة للبيت أن تحضر لأمها هدية رمزية لأمها تطيب بها خاطرها وتبرهن لها بها أنها حقا تغيرت و أنها لن تعيد إغضابها مرة أخرى.
قبل أن تنام، جهزت ملابسها الرياضية و برمجت المنبه على وقت مبكر. بعد منتصف الليل، عاد أبوها متأخرا للبيت فلاحظ أن باب غرفتها مفتوحا وهناك كتابا مرميا على الأرض. تسلل في هدوء ليطفئ الضوء و يغلق الباب. دخل و نظر إليها فوجد عيناها متجهتان نحو السماء. أصابه ذعر و خوف و ارتعش من هول المنظر.
اقترب منها، تحسس يديها فإذا بهما باردتان. شهق شهقة عميقة ثم مسح بكفه على وجهها و أغلق عينيها بعدما علم يقينا أنها قد فاضت روحها.
عاشت ساخطة على حياتها ويوم رضيت عنها لم ترض هي بدورها أن تعطيها فرصة أخرى. من جهة أخرى، حياتها الأخروية كانت تنتظرها لتتغير لتريها الجانب الجميل للحياة الحقيقية.
رحلت لتحكي لمن سبقها عن رحلتها التي لم تتم فوجدت جنة هناك تنتظرها. تفاجأت من حسن الجزاء و هي لم تكن قد عملت منه شيئا. سألت إحدى الصبية فقيل لها. تلك حسن نيتك، علم الله صدقها فجزاك قبل العمل الجزاء الأوفى.
قصة 👈بداية و نهاية
⧫ شارفت على النهاية، قصة قبل البداية، سارعت حتى لا تكتب بين القصص، ألغيت الحكاية. وعادت الأحداث من حيث بدأت. وكنت من أبطالها الثانويين، تركت حقيبتي و نزلت من القطار ، هنا انتهت الرواية.
في البدء، كانت رسوما خطتها يدي تحاول أن تتحرر من ضغط الزمن ومن الوصاية. تصفحت الرسوم، وجدتها طرقا ملتوية، فيها ما فيها من التشويق و السرد و الكناية. توغلت قليلا، تسللت قبل أن يسدل الستار على الرواية.
أين العناية، لا عناية، لا اعتبار يؤنس في الرحلة، لا رعاية. بداية غير موفقة، توسم بملامح الضباب، معرضة في أول محطة للتعطيل. لا غاية، لا وجهة محددة، في أي لحظة قد يتغير المسار، القضية تخلو تماما من كل دراية. مضيت، تذكرت أن بحقيبتي أوراقا مهمة، قد أحتاجها مرة في رحلتي عند وصولي للولاية.
لا لست بحاجة لها، لقد صارت جزءا من الخيال. محطات كلها خيبة، قد تكون تآكلت أو صدأت. على كل، أن أعود لنفس القاطرة، و أتيه في نفسي مجددا تلك أكبر جناية .
قصة 👈أب يقطع الشجرة
⧫ كانت تنتظره... يوما ما سيحن قلبه و يعود إلي مهما كان. أنا ابنته، قطعة منه. لم أختر إعاقتي و لا مرضي و لكن هو اختار الابتعاد عني و فضل أبناء أسوياء.
ترك المسؤولية لأمي لتكون هي أمي و أبي و أدار ظهره غير مباليا و لا راضيا عن الأقدار.
حملتني أمي و كانت لي نعم الأم و الصاحبة و السند.
حمتني من أعين الناس الساخرة و نظرتهم المزدرية، و حين بدأت أكبر زادت إعاقتي وضوحا و قلقا لأمي لأن همها كبر مع احتياجاتي و تطلباتي.
أدركت أنني مضطرة لأقبل بنفسي كما أنا و كان وجود أمي يغنيني عن المخاوف.
مرضت أمي. اشتد مرضها هذه المرة، فهي علاوة على ذلك كانت تعاني من داء السكري المزمن. لكن مرضها الأخير أودى بحياتها و أدى بي إلى الوعي بأنني الآن صرت وحيدة و يجوز في قولي معاقة بعدما رحلت من كنت أعتمد عليها.
لم أتقبل الأمر إلا بصعوبة فصرت أشعر باليتم الحقيقي فأبي لم يأت حتى للعزاء في وفاة أمي و لا رق حاله لي.
مضت سنة من اللوعة و الفراق على أمي في أصعب أوقاتي.
بعد مرور سنة على رحيلها، أتاني الخبر أنه هو كذلك توفي. توفي أبي الذي لا يعرفني. لم يتعب نفسه يوما أن يهتم بي أو ينفق علي. حتى علبة الدواء لم أسمع أبدا أنه اقتناها لي في يوم من الأيام. رحل دون أشم ريحه أو أرى ملامحه. رحل لأنه لا يعرف الحنين و شقاء السنين. رحل و دون أن يعد للأسئلة جوابا كافيا. فهل أترحم عليه أم على نفسي التي كانت تعدني بلقاء صلح مع والدي فلم يسعفها الوقت. و أجلت أسئلتي ليوم الحساب . قصة مستلهمة من قصة حقيقية
قصة 👈 كرم و كرم
⧫ اعتادت عباب أن تكسر روتين أيامها بخرجة لإحدى المنتزهات، أو خرجة مع إحدى الصديقات المقربات. لكنها منذ مدة طويلة لم تسافر. فقد أخذت منها مشاغل الحياة و مسؤولياتها الشيء الكثير. و بعد خلوة مع نفسها، قررت أن تذهب في رحلة لإحدى المدن العريقة و العتيقة الضارب آتارها في القدم، حيث ترتشف من حنين التاريخ عصورا مضت من العزة و النصر و التمكين .
إنها المآثر العتيقة للمدينة العلمية، حيث الزخرفات تزين المباني القديمة و الأسوار العالية الحمراء، و يتحدث المجد بعيون المتذوقين للجمال العمراني البديع و الفسيفساء الفاتنة بألوانها المتعددة. فمن معلمة إلى معلمة . و من ساحة إلى أخرى.
سافرت سياحة و صلة رحم كذلك لبعض أهلها. كانت كلما صادفت في طريقها موقفا يستدعي الدعم في الخير دعمته. استطاعت بتوفيق من الله أن تجمع بين الترفيه و الأنس و كسب الأجر. و من اللطائف التي رأتها من تدبير الله المدبر لأمورها أنها بعدما صرفت المبلغ الذي كان بحوزتها هنا و هناك، و أثناء عودتها من الرحلة، اكتشفت أن المبلغ ذاته في حقيبتها .
استغربت و تعجبت مما رأته و قالت: كيف ذلك و أنا اشتريت كذا و كذا، و ذهبت إلى كذا و كذا، و هديت... و أكلت ووو هل هذا معقول!. أعادت التفكير فيما حصل معها و تذكرت أنها تسلمت هناك بالمقابل مبالغ عربونا على محبتها في مختلف المناسبات، فامتلأت حاملة نقودها كما كانت و انتفى بذلك عنها العجب بعدما عرفت السبب.
لم ينته تعجبها من لطائف ربها، فبعد عودتها لمدينتها قالت لها رفيقتها : بما أنك متعبة من السفر و منزلك بعيد، لم لا تتصلين بقريبك كي يقلك لبيتك و سط هذا الزحام؟
امتنعت و قررت أن تعتمد على نفسها بما أن وسائل المواصلات لا تزال متوفرة. و بعد لحظات من حديثهما إذا بنفس الشخص يتصل بها من تلقاء نفسه ليسأل عنها فيأتي و يأخذها لبيتها. هنالك ازداد عجبها من تدبير الله لأمورها و أدركت كيف أن الصدق مع الله يؤتي أكله بالشكل الذي يبهر.
إن كان من الناس من يؤمن بالكارما فهي تؤمن بذو اللطائف الذي من يلجأ إليه لا يخيب. و إن كانت القاعدة البديهية تقول أن فصل الربيع يتلوه الصيف، فربيع المعروف لا تصفر أوراقه أبدا و إنما هو كشجرة طيبة، أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها بإذن ربها.
قالت و هي تتصفح أوراقها النقدية و تبتسم : إذا ما بسطت يدك فأحكم قبضتها حين تردها حتى لا يتفلت منها فيض العطايا، فمحال محال أن تزرع الخير و تحصد غيره.
قصة👈 لقاء عابر
⧫ جمعتهما محطة المترو تحت النفق. لما كانت تبحث عن بطاقة الهوية. أضاعتها حين كانت تحمل أغراضها. رآها حائرة مفتونة فزعة، اقترب منها و ألقى السلام عليها.
سيدتي هل هناك من أمر أساعدك فيه؟ بينما الجميع من حولها اكتفى بالملاحظة و عدم التدخل. أعجبتها شجاعته و حسن أخلاقه فردت : نعم، لقد أضعت بطاقة الهوية، و بعد قليل سيأتي المترو الذي سيقلني لمدينتي حيث هناك لي لقاء عمل مهم جدا.
كيف يمكنني مساعدتك؟ ردت لا أدري . مكث قليلا يحدق في وجهها و هي مرعوبة كأنها ستواجه أمرا مصيريا. توجه إلى مركز الاستقبال و طلب من العاملين هناك أن يعيدوا تشغيل كاميرا المراقبة حتى يتتبع الطريق و ينظر إن كان سيتبين أثر لبطاقتها الضائعة. و بالفعل أعاد المسؤولون تشغيل الكاميرا فظهر شيء سقط منها أثناء ركضها. توجهت إلى هناك فوجدتها و بدا على محياها كأنها وجدت كنزا ثمينا .
فرحت كثيرا و شكرت السيد الذي ساعدها على حسن تعامله. في هذه الأثناء، كان المترو قد وصل. صعدت إليه بكل سرعة بينما بقي هو في انتظار رحلته القادمة. صعدت و أخذت مكانها على الجانب الأيمن الملازم لشرفة النافذة و صارت تلقي نظرة وداع و دهشة على هذا السيد الذي لامس في إحساسها الداخلي أشياء أكبر من مجرد اعتراف بالجميل و امتنان على المساعدة.
تحرك المترو تاركا وراءه صدفة جميلة و لفتة طيبة، و قصة قصيرة لم تكتمل أحداثها و مشروع إحساس فرض نفسه في لحظات سرقها الزمن. غابت عن ناظريه و غاب طيفه في الزحام.
قصة👈بين عشيتين
⧫ في عمر الزهور، جلست ذات يوم بينما بدأت الشمس تميل نحو الغروب. اختارت شرفة النافذة و تطلعت نحو الأفق، كيف سأكون أنا بعد سنين طويلة من الآن؟ سيدة ناجحة... متألقة... مستقلة... عندي أموال و سيارة... ألفت الأنظار بأناقتي و ذاع صيتي بنجاحاتي.. أستطيع أن أسافر كثيرا و أجول الجميل من البلدان و المناطق و أستمتع...
توالت أيامها و تفتحت أزهارها، و يوما بعد يوم و سنة بعد سنة، أخذها الزمن في غفلة منها أو حتى في وعي، كانت قد أسست أسرة و لها أربعة أبناء. اثنان منهما قد جاوزا المرحلة الثانوية، و الاثنان الأخريان متقاربان في العمر، فواحدة في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية، و الابن الأصغر و هو آخر العنقود في السنة الخامسة من نفس المرحلة الدراسية.
وجدت نفسها ذات عشية على الشرفة، تسترجع شريط حياتها الذي مضى في رمشة عين... و كيف حولتها الأحداث و الوقائع و التجارب إلى ربة بيت مسؤولة و منتِجة. من طفلة تسعى بنظرة مثالية للحياة إلى أم محنكة تسعى بحكمة و خبرة لإنجاح أبنائها في ساحة الحياة و هي تتعجب في سرعة الوقت كيف مضت و لفكرتها عن الأهداف و الغايات كيف اختلفت و تحولت بشكل كبير. فضحكت على سخافة نظرتها المحدودة التي كانت تتبناها لما كانت طفلة، و ابتسمت في صمت لما وجدت نفسها قد نجحت في كفاحها و أداء رسالتها و أن النجاحات التي حققتها تستحق التنويه و الإشادة و هي تختلف جذريا عما كانت تراه في صغرها أهدافا حقيقية.
هو كتاب الحياة، لامع و مشوق في ديباجته، لافت للقراءة، و قبل أن تصل إلى الصفحة الأخيرة، لا بد أن تقبل بما يعترضك في معترك الحياة من إخفاقات تعقبها نجاحات، و كلما كنت ذا نفس طويل و علم كثير، كنت واعيا في تحمل مسؤولياتك و تقبل ذاتك.
🌷💐😌
شروق
لا حدود في الأفق، تنظر هي إلى ما فوق السقف، و تتخيل نفسها عالمة في الفضاء. هي لا تكترث لزملائها لأن أحلامهم صغيرة. و إن حكت لهم لن يفهموا عليها و لن يؤمنوا بطموحاتها. هي فتاة فريدة، كأن النجاح عندها تيمة شخصية، لا أحلام صباحية أو مسائية. تمسك لوحتها ترسم فيها حدود ذكائها.
فتاة متطلعة متلهفة للحياة. لأمثالها تبتسم الحياة.