هو الياسمين رمز للعطاء و للانثى و رمز لكل ما هو جميل، و هو كذلك قوي في رائحته مؤثر في هدوئه و نعومته. هو بالنسبة لي تلك النبتة التي تمدني بالإلهام تارة و تارة تذكرني بالحس المرهف الذي قد يتمزق بسرعة إذا لم يلق العناية الدائمة.
![]() |
أنين الياسمين (خاطرة أدبية ) |
أنين الياسمين هو عنوان خاطرتي تختزل ما تلاقيه الأنثى في محيطها الخاص أو على صعيد عام باعتبارها نصف المجتمع بيد أن هذا المجتمع لم يكن منصفا لها كفاية.
هي سطور من الحقيقة بمكان تدعوا لنعيد النظر لهذا المكون الأساسي حتى نرصد الخلل و نرتقي بأنفسنا بارتقاءنا بهذا المخلوق اللطيف و المعقد في تركيبته المميزة.
زاهدة أنا في كل شيء إلا في أحلامي، و أنسى الخلاف وأغفر الزلة و تستبيحني النوازل، فأرضى وتمضي الأيام و تأتي الأيام، و أنا أظل ثابتة كالجبال شامخة عصية الدمع و من شيمي الصبر، ولا يتعبني الصبر بقدر ما أتعبتني حكايتي التي أبدأها كل مساء، و لا أنهيها، و لن أنهيها فقد صارت جزءا من هويتي، بحيث أصبح من الضروري أن أذيلها في المعلومات المتعلقة بسيرتي الذاتية.
في بحر العواصف
و إن كان الحب تحديا فهو بالنسبة لي أكذوبة حلوة على هامش الواقع، وهو الصفر الذي يرافق الأعداد جهة اليسار لكنه يظل رمزا لتسمى الأرقام أرقاما مثل ظلي، الذي لا أستطيع التجرد منه. و مع ذلك يتطفل ليؤرق أحلامي، ويزينها في لحظة سكون، فإذا ما علمت به أبيت وتبرأت و تسللت من حديقة الجبناء إلى نافذة الحكمة، حيث يتنفس عقلي بحرية و يضحك على باقي الجبناء باسم الحب. إنهم يفضلون لعب دور الضحية على تلقي الصدمة. و إنهم بعيدون كل البعد عن شيء اسمه الحب. كأنها بداية اضطراب الشخصية المثالية الحالمة. إنها منهجية الجبناء، نعم أكررها ليتوقف الاستغلال في مدينتي، ويتوقف تجار الكرامة و الدين، وحتى يتوقف كل ميكيافيلي عن سياسته الوصولية، فقد بلغ السيل الزبى.
أنين الياسمين
- في مدينتي، تمزق فساتين بناتي قبل السهرة ، وتباع في سوق النخاسة.
- في مدينتي، يتجول اللص بحرية و تختبئ الكلاب و تنعت المسروقات ، وينسى السارق.
- في مدينتي، ينحني الشرف للعادات، و يكون كبش فداء لكل من تعلم لغة الكلام.
- في مدينتي، أدركت أن كل شهاداتي التي أخذتها في مدرستي مزورة، لأنها لا تشبه الحياة التي نعيشها.
- في مدينتي تنتصر الشهوة وتخلف الكثير من الضحايا،و إن فتحت المحضر فالمجرم غائب في القاموس و الشهود حكام والضحية لا بد أن تدفع ثمن العيش بحرية أو بدون حرية.
تحديات الياسمين
- في مدينتي، يجب أن يعاد النظر في المقررات الدراسية، وبدل أن يدرس المتعلمون دروس التزواج في المواد العلمية، وجب تعليمهم القيم الأخلاقية و الحدود الشرعية، حتى يدرك كل واحد منا ما له و ما لي، حتى لا تقودنا العشوائية في اللعب بأعراض و مشاعر بعضنا، وحتى لا يكون بيننا لقيط ولا سقيط و لا زانية، حتى لا تهان العانس و المطلقة، حتى لا أخشى يوما إن أجبرتني الأقدار أن أرفع رأسي بعفتي مهما كانت حالتي العائلية ، و حتى يستكين اليتيم في حضن أمه الأرملة التي وهبت زوجها فداء للوطن.
- في مدينتي، يجب أن تغير المفاهيم و الجدران و الأسقفة.
- في مدينتي، يجب أن تتعلم بناتي أساسيات الحياء قبل حروف الأبجدية، أن يتعلم الشباب مفهوم العصمة و الأخوة و أن يتشبعوا من آبائهم كؤوس النخوة و الرجولة.
- في مدينتي، يجب أن يتقنوا فن التفكير قبل الطعام و قبل فن الكلام. أن يخوضوا مبارايات في المصداقية.
- في مدينتي، يجب أن توزع إشارات المرور على كل العابرين على جسر هاته الدنيا، و لأن الوجهة و إن عرفت مجهولة، فعلى كل واحد منا أن يشغل منبهه قبل الوصول للمحطة الأخيرة.
- في مدينتي، رخصة القيادة في كل بيت يعلوها الغبار و الأغلبية لا تجيد السياقة.
- في مدينتي، يمكن اختزال القرآن كتابا معتمدا في الأزمات و ترحما على الجنائز و يبقى على جنب في القضايا المصيرية.
- في مدينتي، و في كل الأمصار أقول، لعله أغلى رخصة تضمن الوصول بسلامة و طمأنينة للمحطة المنشودة. فأين أنتم يا طلابها ؟
الياسمين في أرض السلام
من كان يظن يوما أن الياسمين سيضطهد و في فصل الربيع، من كان يعتقد أنه سياتي يوما تمزق أوراقه و تسحق على مرأى و مسمع من جميع الناس و لا أحد يحرك ساكنا. لقد فقدت الإنسانية نواتها و جذورها و سقط قناع المنادون لها، و بين عشية و ضحاها، أصبحت الأزهار ينظر إليها كنبات خال من النعومة أو الطيب الزكي أو حتى الرقة و صار مثله مثل شوك يجب أن يجتث من الأرض أو يداس ...
نعم، زماننا هذا مخيف لدرجة صارت تنتهك فيه الأنثى مهما كان فصلها، أصلها، عمرها، دورها، يكفي أن تكون حرة لتتعرض إلى كل هذا. يكفي أن تكون ذات شرف و عفة و مبادئ.
في أرض السلام، رأينا دعاة السلام يبيدون السلام. و عن الفتاة، و عن ذويها يعيدون الكرة و يعثون في الأرض فسادا لا يفشون السلام.
يوما ما سيغرد الحمام في مدينة السلام.
و يعود الياسمن ينثر العطر و الجمال و تعود الحياة تصدح هاهنا و الرياحين تهدي للأبطال دعوات شوق و نسيما من الجنة من مدينة السلام.