هذه آيات خاصة جمعتها هنا لأحتفظ بها و لأنه كان لي معها مشوار طويل في التطبيب و التذكير و لقيت من فضلها الأثر الكبير، فأحببت أن أكتب عنها لا شرحا و لا تفسيرا و إنما ما وجدته فيها من بركات فسبحان من يهدي السبيل.
هي آيات راودتني في فترة من فترات حياتي الحرجة فوجدت لها صدى لم يُمحَ من ذاكرتي أبدا لدرجة كنت قد دونتها في كتاب مذكراتي، و لما سألت عنها علمت أنها رسائل من الله و بصائر لمن أراد أن يتمسك بكتاب الله. و هي كالآتي:
سَيُهْزَمُ آلْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ آلدُّبُر
هي آية تحمل من الحقائق الكثير و هي حرز من الشياطين و هي سلاح في كل المعارك لمن تشبع بالإيمان و اليقين و هي وعد الله الحق. كلما قرأتها تذكرت معية الله لي لما اتخذته وكيلا. فقد هزم جمع الجنود من أصحاب الباطل و الأهواء. و تمت كلمات ربي صدقا و عدلا كما قال تعالى و تمت كلمة ربك صدقا و عدلا .
و أقولها لكل مجاهد في سبيل الله، تأكد أنه سيهزم جمع أعدائك و يولون الأدبار فلا تبتئس من الصبر و عسر الأمر، فلا مناص لك من العقبات و الابتلاءات حتى ينصهر ما بداخلك من الريب و الشكوك و تركن إلى لطف الله الخفي، الذي سلمت له قدرك بعد حيرة و تذبذب، فلما اطمأننت لما قضى أتاك بما رضي لك.
فلا تجزع من تقلبات الدهر و تأكد أنها ماضية إذا ما صقلت فيك اللب و لينت القلب، فالفرج قادم في موعده، كذلك سنة الله جرت في خلقه، لا تبديل لها . و توكل على الله و كفى بالله وكيلا .
وَ إِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (38) سورة محمد.
ألا تخشى بعد أن رفضت الخير الذي أتاك من الله و عزفت عن شرائعه، ألا تخشى أن يستبدلك الله بأقوام يعز بهم هذا الدين و تعود لهم الرفعة به بينما أنت استجابتك لله لا تضر الله بل تنفعك.
أما هو فهو الغني عني و عنك و إنما أنت من شرفك الله بهذا الدين وجعل به لك ذكرا في العالمين. ألم تسمع قول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ سورة الأنفال. فأنت الذي تختار بأن تحيا حقيقة أم تضل تعيش فحسب. تستحق التأمل.
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ. سورة النور.
رجال و ليسوا ذكورا ، فصفة الرجولة شملتهم تشريفا لهم حيث اغتنموا التجارة وفضلوها عن التجارة. لم يُقبلوا عن ذكر الله إلا و قد عرفوا معناه فلزموه فلما جنوا ثماره لم يقَدّموا عليه شيئا، لما رأوا من عظيم النعم و الاستزادة.
فلا نعتقد أن من رغب عنه إلى ما دونه قد ربح و إن ملأ دنياه ذهبا و فضة، إنه لهو الفقير الحسير حقا ما لم يتدارك نفسه و يعمل على إصلاح الخلل بداخله و ليصحح مركز استقباله و يستعد ليوم العرض.
هم رجال علموا أن هناك يوم تتقلب فيه القلوب و الأبصار فبخوفهم لجأوا لذكر الله و إقام الصلاة فأمنهم يوم التقلب و ثبتهم يوم الزلل. فلحقهم حسن الجزاء و زلدهم الله من فضله فلتكن منهم ما استطعت .
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)
مستخلصات من سورة الكهف.
- موازاة مع ما نعايشه من الأحداث الراهنة، علينا أن ننهل أكثر من أنوار هذه السورة حتى تنكشف لنا الحجب. و حتى يبطل العجب و حتى نستطيع الوصول للنصر. إن الذي رافق سيدنا الخضر و هو كليم الله سيدنا موسى عليه السلام لم يحط علما بما كان خيرا لأصحاب السفينة حين تم خرقها و لا لقتل الغلام و ما رآى داعيا لإقامة الجدار و لكنه الله الحكيم بعلمه علّم الخضر ليعلمنا الصبر و عاقبته.
كذلك لا يمكننا أثناء قرائتنا لهاته السورة أن نغفل عن الفتية الذين آمنوا بربهم أو عن صاحب الجنتين، و لا عن ذي القرنين و قوته، و لا عن بطش يأجوج و مأجوج، .. فقد تنوعت الفتن بين فتنة العلم و فتنة المال و فتنة السلطة و القوة و ما كان الفوز إلا للذين امنوا وعملوا الصالحات. و لأن نظرنا قصير و رؤيتنا للأمورأقصر، فعلينا أن نسلًم يقينا أن الله بصير و أن رب الخير لا يأتي إلا بالخير.