في رحاب الطفولة، وحين نتحدث عن وعي الطفولة، و حيث البراءة تتجلى و الشفافية، يتعثر الحظ أحيانا فتنتفي الصفة الطفولية الملازمة و يحل محلها ما يقتضيه الإحساس من ردات فعل عن القسوة. هذه مجموعة قصص قصيرة تتطرق إلى معاناة بعض الأطفال تحت قسوة الأقدار.
![]() |
مجموعة قصصية تحت عنوان في رحاب الطفولة المنسية |
قصة 👈قارورة باهتة
- خلف ابتسامتي آهات دفينة. صغيرة أنا، لكنني لست صغيرة، أنا كبيرة بالقدر الذي يجعلني أدرك أنني مختلفة عن من هم في سني.
أنا وجدتني في كل صباح أرافق أمي لجمع الحطب لنستدفئ في المساء. نغادر مع الفجر و لا نعود إلا عندما تسدل الشمس ستارها عنا. و أعود أكرر هذه الحكاية، و لا أعلم متى نستغني عن هذا الحطب، و متى يكون ذهن والدي خاليا من الغضب لأفتح معه الحديث عن الذهاب للمدرسة. فأنا أتشوق لمعرفة كيف يقضي الأطفال يومهم مختلفا عني.
من الأكيد أن حياتهم لن تكون مملة مثل حياتي. فالمرح دوما يصاحبهم، أما أنا فلا أجد الوقت حتى أتخلص من تعب النهار، علاوة على أشغال البيت، أشعر كأنني نسخة مصغرة من أمي، أتوقع في أي لحظة قد أفاجأ بخطيب يدعوني للزواج به، و كأنني أرى نفسي أما بأولاد و أنا ربة بيت، و كأنني سأنتقل من سجن إلى سجن.
لماذا أسرتي لا تشبه تلك الأسر التي أراها على شاشة التلفاز، لماذا ليست حياتنا مثلهم ، لم حياتنا مختزلة تقتصر على أكل و شرب و شغل في البيت و الحقل .
- أنا أعلم أنني لا أدرس و لا أعلم شيئا عن القراءة و لكنني متأكدة أنني ما لهذا خلقت، فأنا حين أنزوي بغرفتي و أحدث دميتي أشعر أنني مميزة و بداخلي أشياء لو أفصح عنها، لو أجد من يقبل فكري و رأيي أو حتي يستمع لي لاختلف وضعي ووضع صديقاتي اللائي تعانين مثلي.
أنا أبتسم ليس لأنني سعيدة و لكن، لأن بداخلي حياة تدفعني لأتحسن و أفرح بنفسي. أتذكر يوم مرض جدي و لم نجد أحدا يشرح لنا وصفة الطبيب ما عدا ابن خالي الذي يقطن بالمدينة، و أتذكر نظرة الإعجاب تلك التي كان الجميع يتطلع بها إليه و هو يتحدث مع أبي بكل ثقة وقوة عالية. هنالك تمنيت لو أكون أنا مكانه و أتولى أمورا أهم من رعي الغنم و حطب الشجر .
أتطلع لذلك اليوم و أتمنى كل ليلة أن أتحرر من هذا السجن و أتمتع بحق التعليم و حق طفولتي في اللعب .
رجاء لمن مر من حقلنا أو صادف صبية منا أن لا ينسانا و يتحدث عنا فنحن قوارير صغيرة لا نتحمل الكسر مرتين فلتفهموا ما وراء ابتسامتي تلك و لتكونوا منقذينا فنحن نستحق و أنتم تستحقون و كفى من عقلية الأنثى و الضيعة ذاك زمن قد ولى و لا ولن يجدي نفعا. كانت معكم أصغر امرأة.
قصة👈أفق مسدود
- نشأت في أسرة بسيطة معوزة. الأم ضعيفة لا حيلة لها و لا رأي إلا ما يراه زوجها، فهي ترى بعينه رهبة و خوفا لا حبا و ألفة. هو المقرر و هو المنفذ. لها أخوين أكبر منها سنا. لهما من القسوة و الفظاظة ما أخذاه عن أبيهما فهو في نظرتهم الأب الجدير و إن بدا قاسيا فذاك الواجب و لأنه المدير لشؤونهم.
- نشأت وحيدة في هاته الخلية الصغيرة. لم تشعر بالانتماء أبدا مع أسرتها. و مما زاد غربتها هو أنها كانت البنت الوحيدة في الأسرة. فلمن ستشتكي معاناتها و ممن ستأخذ الحنان و العاطفة إن كانت أمها تظل طيلة اليوم ترعى الأغنام و تعمل في الحقل و لا تعود إلا حين يشرف الليل على القدوم.
بمجرد ما أنهت دراستها الإعدادية. جاء
والدها بعريس لها ليتخلص من شبح وصمة العار التي يخاف يوما أن تصيبه بها. ليس
لأنها سيئة الأخلاق أو متمردة بل فقط لأنها أنثى و هذا بالنسبة له كافيا ليعيش
قانطا متذمرا خائفا من المستقبل.
- انتهت مراسيم العرس، وجدت نفسها بين عشية وضحاها مع رجل غريب لا تعرفه حتى، لا تشعر نحوه بشيء من الأمان او القبول. لم تستطع أن ترفض و لا حتى أن تعبر عما تشعر به. بعد شهرين من الزواج بدأت تشعر بتغير معاملة زوجها معها الذي يكبرها سنا و عقلا و طباعا.
فبعد أن كان صامتا لا يكلمها و لا يمازحها أو يستلطفها. أصبح متسلطا في تعامله معها فيسبها على أتفه الأسباب، و يرغمها لتظل واقفة طيلة اليوم في المطبخ. تطبخ و تكنس و تجهز له ما يشتهي من الأكل و الشراب. و كم يزعجه أن يراها جالسة تتفرج على التلفاز أو حتى جالسة لوحدها تأخذ قسطا من الراحة.
- ازدادت معاناتها و طالت و لم تعد قادرة على تحمل الإساءة و القسوة. فكرت مليا في حل أنسب تستطيع أن تتخلص فيه من المعاناة و لكن لم تجد، فهي إذا طلبت الطلاق ستعود لتسلط والدها و أنانية إخوتها و إن بقيت فهي قد حددت موتتها المسبقة و لم يدر بها أحد.
قصة👈شروذ
هارب من أحد الأسواق في إحدى المواسم. إنه مطارد، جريمته سرقة رغيف ملفوف بداخله طماطم . أسال لعابه فلم يشعر إلا وهو يركض بأقصى جهده. بعد ثلاثة أيام من الجوع، كادت أن تلتصق فيها أمعائه ببعضها البعض. لاحقه ثلاثة من التجار و بعد أن أتعبهم في اللحاق به أو إمساكه.
وصل إلى مدشر فقرر أن يرتاح قليلا من التعب فإذا به يصادف أطفالا في نفس عمره قد أسعفهم الحظ ليأخذوا نصيبا من التربية و التعليم و الوعي. صار يتأمل فيهم بدهشة و حسرة و غيرة و استغراب.
مشاعر ممتزجة بين الحيرة و عدم الاستحقاق، بين سخاء الحياة و ضيقها. لقد نسي ملاحقة التجار له و هو لا يشعر بالذنب و لا بارتكاب أي خطئ في حق أحد .
وسط كل هاته الأحداث المبهمة . هو لا يفكر في شيء إلا في ثياب تقيه حر الشمس و بأس البرد و طعام يغذي بدنه ليستعيد شعوره أنه لا يزال على قيد الحياة.
قصة 👈 عبير
بكل التقبل و الأريحية، تصاحب الأواني كل يوم بعد الانتهاء من وجبة الغذاء، تنفرد في المطبخ لتنهل على تنظيف أوانيها و هي تستأنس بترديد إحدى الأهازيج الشعبية التي تذكرها باللمة و البهجة و الأفراح. لا تتسخط أبدا من المهام التي توكل إليها و لا تتأفف من كثرتها، و تعتبر مساعدتها لأمها نوعا من الحب و الإحساس العميق بالتعاون.
دأبت كل يوم وهي تنشف الأواني أن تتأمل في عودة أمها من البلدة. لقد ذهبت لتعتني هي الأخرى بوالدها الذي يبدو أنه يصارع الموت. و ذهبت لتكون بجانبه في أصعب اللحظات.
- أما أبا عبيرفقد رحل إلى دار البقاء بعدما ذهب شهيدا جراء سقوط صخرة ضخمة عليه داخل المنجم الذي كان يعمل فيه. عبير ترى في كل هاته الأشياء ضرورة ملحة لتكون مسؤولة في غياب أمها عن تسيير شؤون البيت. لها أخ لم يتجاوز الثالثة من عمره. و هو شديد التعلق بأخته عبير التي تدلعه، تهتم به أشد الاهتمام .
- عبير نموذج للفتاة المضحية. الفتاة التي قست عليها الأقدار فعصر معدنها النفيس الخير . هي لم تقل أبدا و لو حتى بينها و بين نفسها. هذا لا يخصني و أنا لا شأن لي و ليس من المفروض علي أن أتولى المسؤولية على حداثة سني.
لم تكن سطحية التفكير و لا أنانية التدبير و لم يلاحظ عليها تقصير في التفاني لخدمة من تحب. تأخذ الحياة على أنها مسرح للجهاد و الدعم و ليس للتهرب و التحايل. فكان جزاؤها من جنس العمل. لقد قرر خالها القاطن في بلاد المهجر أن يمنحها مبلغا كل شهر لتسجل في مواصلة تعليمها غير النظامي لأنها خرجت في ظروف صعبة.
- عبير ذات العمر الصغير و الطموح الكبير هي الشمعة رمز الأمل و هي للتفاني أفضل عنوان في طاقتها الفتية. الندية. عبير و كم زكت في ظلها أرواح عديدة . عبير اسم على مسمى.