من هنا ينبعث الظلام و ينتشر في كل مكان حتى يغطي الأفق، أحدهم أسمعني قصته الحزينة فزاد طول ليلي هذه المرة عن سابقه. الأحزان وفية أكثر من الأفراح لأنها تعمر طويلا معنا حتى نأنسها فتصير ملازمة لنا و دلالة قطعية لإثبات الوجود .
![]() |
قصص قصيرة تحت عنوان كيف تموت فارغا |
أما الفرح، هل يستحق إثباتا أم بما أنه لا يعمر طويلا و لا يمكث في الأرض فهو لا يحتاج لدلائل. قد يكون الوجه الآخر المقابل للحزن بيد أنه خفيف ما تكاد تزنه حتى يأخذ طريقه مسرعا كنسمة هواء.
أيها البؤساء. إذا لم ترفعوا راية التحدي في وجه الظلم و في وجه الوهن. ستظل رؤوسكم خاضعة مهما علت مناصبكم . فالوقت لم يعد كافيا للنحيب ، قبل الوداع المحتوم يجب أن تشدوا و تغدوا مع العصافير و الحياة من حقكم، أنتم أولى بها فلا تهدوها لأعدائكم بلا ثمن. أوقفوا هذا الجحيم القادم فإن لم تفعلوا ينهش في داخلكم مثلما تفعل الديدان و تذكروا قول الله تعالى (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا).
قصة قصيرة 👈مت فارغا
يا ليت الشباب
- صادر أفراحه في لحظة، أخرج ضحكاته متتالية، يريد أن يظهر أفراحه. لا يريد ان يترك شيئا ورائه، يقول أنه يريد أن يموت فارغا. استفاد من درسه متأخرا، و لذلك قرر أن لا يغفل عن استحقاقات نفسه. كان معطاء و ساذجا أحيانا، كانت ضحكته تصنعها سعادة أولاده.
جد و اجتهد في تربيتهم و توفير لوازمهم وما يفوق احتياجاتهم. كان مهووسا بدراستهم ليبلغوا أعلى المناصب،و أفنى حياته لإسعادهم. و بعدما شارفت حياته على التعب و تملكه الضعف، ظهر بداخله ضعف جديد، إنه الوحدة. أصبح يعاني من الوحدة و الإهمال،أمواله لم تعد تكفيه لاقتناء أدويته التي يستعملها للحد من النسيان الذي أصبح يعاني منه.
أبناؤه صار لهم مراكز عالية و ذووا أسر ذات نفوذ، وهو انتهى به المطاف بين سرير خشن و مذياع و صورة لزوجته يضعها تحت وسادته. حتى إذا شده الحنين لريعان شبابه أخرجها و صار يتطلع إليها. يعيش أحداثا في مخيلته.
طال به الحال سنين ثم ارتأى أن يكمل ما تبقى من حياته بشكل مختلف، و قال سأفعل كل ما حرمت منه نفسي سابقا، أراد أن يمارس الرياضة فوجد نفسه قد خارت قواه. تذكر إهمال أبنائه له فقال: سأستغل كل ما تبقى لي من عمري لأجل نفسي .
- كان في كل صباح يتناول فطوره و يخرج يتنزه و يتأمل جمال الطبيعة و الشمس المشرقة. و لأول مرة أصبح يشعر بطعم الحياة و خلو الضغوطات.
وجد نفسه خارج الالتزام تجاه أي أحد، و رمى جراحاته وراء ظهره، و كلما تذكرها أشغل نفسه عنها . اكتشف في أواخر عمره أن السعادة الحقيقية في أشياء أخرى غير التي كان يطمح إليها و يحب تملكها .
السعادة ليس أن تفني نفسك و جهودك لأجل الآخرين و تغفل نفسك، و لكن أن تبحث في داخلك عن أشياء تجعلك سعيدا دون أن تفقد فيها قيمتك عاجلا أم آجلا .
- عاش بقية حياته صديقا لنفسه. لم يبحث عن أبنائه، لأنه لا يحتاج إليهم و لكن يدعو لهم أن لا يهملوا إنسانهم فتكون حياتهم على الهامش، و سعادتهم مجرد وهم يكتشفونه بعد فوات الأوان كما حدث معه . لم يعد يخشى هذا المسكين من خيانة أحد و لكن يخاف أن تخونه صحته، فكان دوما يدعو ربه أن يظل عزيزا في عافية.
وفاء
- بعد ثمانية أشهر وجد ممدا تحت شجرة و بيده حبات قمح، كان يطعمها لأحد العصافير. و بعد أن فاضت روحه بقيت الحبات متناثرة على كفه و العصفور جاثيا حانيا على وجهه.
رحل في صمت بعد كده كل هاته السنين بعد أن أدرك كنه الحياة . و أنها لم تكن تستحق منه كل ذلك الحرص، فلا شيء بقي معه في النهاية إلا الصادقون وما أصدقه في الاعتراف بالجميل إلا عصفور . لأنه لا عقل له لكن، بالمقابل له فطرة التعاطف و الرحمة التي افتقدها جل الإنسان للأسف في عصر الماديات.
هذه كلمات... يرددها من ابتلي في فلذة كبده و جارت عليه الأيام عند اقتراب المغيب.
يا ليت الشباب
يا ليت الشباب يعود يوما
فأخبره بما فعل المشيب
فكم من هم أورث سقما
لأجل فلذة كبدي لا ليس عيب
و قطعت الفيافي لأجله دوما
كي أعفه فلا يخيب
و بت من جوعي أبكي ألما
كي يشبع بطنه الحبيب
كم حملت عنه مكارها
و كرهت أن يراها أو تصيب
فلما بلغ أشده و نما
بر البعيد و أنكر القريب
فهل من جزاء عندك إلهي
فقد ضاقت سبلي و أنت الرقيب
فلا سند لي بعد عمري
و لا سواك يُستجار فيُجيب
اغرس الفسيلة
هذه هي السنة الثالثة التي يمضيها أبو إبراهيم وحده وحيدا دون زوجته و أولاده الذين قضوا في الزلزال. لقد ضاقت به الأرض بما رحبت و بعد أن كان نشيطا متفائلا مبتهجا صار أكثر ذبولا و انطفاء، و مع أنه في أواخر أيامه إلا أنه لا يرى بدا من غرس الفسيلة التي في يده، و على الرغم من أنه موقن باقتراب الأجل و مع ذلك له في من تبقى من الجيل كل الأمل. و رغم غياب الأحبة و نحيب التربة، فالإيمان شعب و من شعبته الإحياء و التي جسدها هذا الرجل النبيل في سلوكه. هذا الرجل النبيل الذي آمن بحديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حين قال إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها ".
قصة قصيرة بعنوان غربة المثقف في زمن العولمة و الديجيتال
و خير جليس في الزمان كتاب، و خير الصحب ما كان فيه شيئان، الصدق و الإحسان.
في مكتبة العرفان، هناك يلتقيان، إن في الصباح أو في المساء، لا بد أن تجمعهما بداية رواية أو نهاية موسوعة عن العلوم أو حصة من حصص التدريب، تخص علاقات الإنسان.
- هكذا كان دأبهما وعن حب القراءة عرف ديدنهما. عامر و مرح، صديقان أو أخوان أو زميلان اثنان. مثال في البساطة و المرح، و الابتسامة ظاهرة على محياهما حتى إنه من ضحكتهما تكاد تظهر كل الأسنان.
- و توالت الأيام، و تزوجا كل منهما، فصارت مرح كاتبة مسرحية و صار عامر مؤلفا لسير العظيم من الأعلام. كبر أولادهما و تغيرت الظروف و ملهيات الحياة. و صارت اهتماماتهما نادرة، لا يقبل عليها إلا القلة القليلة من الناس.
كانا إذا شعرا بالغربة في زمن التقنيات و وسائل الإعلام، انزوى كل واحد منهما في غرفته يستجدي لب القراءة و السرد و يتذكر الحوار الذي بينهما كان.
في أحد الأيام، رأى عامر منصة تهتم بإحياء الأدب القديم و الروايات و تسجل أسماء المهتمين و المفكرين و الأدباء. دون تفكير مسبق سجل اسمه و تحته عنون باسم مرح صديقته القديمة، مشيرا إليها حتى تشاهد مثله الإعلان. لأنه يتذكر أن ذلك كان من أحب الأشياء إليها.
بعد ساعات قليلة، توصلت مرح بالإشعار، سرها أن هناك من يزال مثلها شغوفا بالقراءة فردت عليه بكل حماس . و كانت تلك نقطة عودتهما للكتابة و التأليف عن فترة الغربة التي أصبحا فيها يعيشان. اتفقا أن يكتبا و يؤلفا معا مسرحية تحت عنوان" غربة المثقف في زمن العولمة و الديجيتال".
قصة قصيرة 👈الكتب عون و معين
لا شك أن اخضرار عقولهم قد نما حتى طفا، حيث الانسجام بينهم قد بدا، و النبات المخضر كم وافق لمتهم في لحظة صفا. و لو أن الوالد ساهٍ بين آه و آهٍ فغياب الزوجة لا تعوضه الحروف و لا يمكن أبدا أن تصفه الأفواه.
فراشتين حوله تحومان ، فواحدة مثل أبيها منكبة على كتابها و ترسم ما تمليه عليها مخيلتها، بينما الثانية تعيش دور الأم المفقود و كأنها تجسد كيف كانت أمها تتولى أمور الطبخ و شؤون البيت.
- ما أجمل الأبوة حين تكون مرنة حنينة، في أهلها لا تعرف أنانية و لا خصوصية، فالحياة تختبر في المرء ذلك الإنسان الذي في سبيل أبنائه يبذل المستحيل ليحافظ على دفئه الموجود و يستعين به على دفئه المفقود.
حقا هي الكتب، كلما قرأتها أنارت من داخلك و من حولك، فتصير أنت الفانوس الذي يضيء شمعة الحيارى في الظلام.
شوق و حنين
جلس على حافة الشاطئ و شمس الأصيل قد شارفت على الغروب. الشاي فوق النار يحترق. و سيجارة تحترق لينتشي قليلا و يخفف عن شوق قلبه المحترق. لقد كاد ألم البعد أن يفتك به. أولاده الثلاثة يقطنون في بلاد المهجر. وراء هذا البحر الممتد، تمتد حياة العزيزين على قلبي. يقول الرجل المسن في نفسه، اشتقت لأبنائي و أتذكر يوم كانوا صغارا تحت أجنحتي ألمهم و نتناول الشاي معا و نستدفئ ببعضنا البعض. ينتظر الرجل أن تمضي الشهور المتبقية و ينعم بقرب أبنائه مجددا بعد أن يتموا سنتهم الدراسية. و حينها قد تبرد نار الشوق و لا يضطر هو ليشعل سيجارته لينتناسى همومه.