و عشت اليوم الذي صار فيه الصدق ضعف و العواطف خذلان، كي تعيش بين الممثلين عليك أن تكون ممثلا بارعا تجيد إخفاء نواياك و تنصب الكمين. كأنها ليست علاقات و إنما مسابقة يتقدم فيها الحاذق في تقمص الأدوار و يخسر ذاك الذي يعتبر أمين.
و حتى يكون لك وزنا بين العالمين كن نذلا يخطف الأنظار باسم التقي الرزين. مسخت حتى الكلمات التي نود أن نعبر بها . لم تعد تنفع أن نخرجها في حين. هو داء أصاب الإنسانية لما فقدت البراءة و افتقدت لمعالم الإنسان الحقيقي و صارت تبحث عن التغيير و كيف يتلاعب المرء لأجل مصلحته و يسلك طرقا ملتوية تدنيه من البهائم و تقصي حسه الرفيع المكين.
مسكين أيها الإنسان لهذه الدرجة تؤمن بالموضة و آخر الصيحات حتى في ما يخص جوهرك صرت قابلا للأخذ و التعيين ثم تأتي و تشتكي و تقول لم أنت حزين .
أحيانا نسرف على أنفسنا بالطيبة و ننسى أن الناس ألوان و أشكال. فهناك من يودنا و يحبنا بلا أسباب كما أن هناك أيضا من يكرهنا بل و يكيد لنا بلا أسباب كذلك. لكن، قد تكون هاته الأسباب تعود إليهم في الغالب، لأن دواخلهم لا تقبل لغيرها بالأفضلية حتى ولو كانت على هبات ربانية. فإن كان المال و الجمال من النعم التي يحسد المرء عليها، فكذلك البساطة و العفوية و الطيبوبة قد تكون نعما يحسد عليها المرء. و الحسد دركات كما للحب درجات.
هناك من يكتفي بالغيض و التكتم و التجهم، و يغدق على نفسه بالتذمر و التحسر، و هناك من لا يهدأ له بال حتى ينضح بما يعاني و يكيد ما استطاع ليشعر بقيمته الزائفة.
● حين أنعتك بالعيوب التي فيك و التي ليست فيك قد يشعرني هذا بالتساوي بينك و بيني فأتوقف عن لوم نفسي أنها شريرة. و أتحجج و أهدأ لأني أقنع نفسي بأننا سواسية في البضاعة. و لأنني لن أستطيع أن أكون مثلك و أمقت أن أراك أحسن مني حالا و مقالا. فهذا مبدئي و هذا ديدني ما دمت لا أؤمن بالواقع الذي يغيضني أكثر بينما غيري يعمل و يكد ليل نهار مشغول بنفسه عن الناس.
للأسف هذه عقلية الكثير من الناس السلبيين و الذين ابتلينا بهم في حياتنا و نتفاجأ عن حسن نيتنا بما يدور في خفاء. و لسنا نتقصى و نبحث و إنما الله يسوقهم لنا بين الفينة و الأخرى لنعي بما يحدث و نكون على بينة فيما هو آت.
كلام كهذا لا يفهمه إلا من تجرع طعم الخيبة في أّقربائه أو جيرانه أو أصدقائه ليصطدم فجأة بأمواج الشر تتلاطم لتهوي به، لكن سنة الله في كونه و عباده ماضية. "و لا يحيق المكر السيء إلا بأهله" سورة فاطر. الآية 43.
هي خاطرة واقعية أكثر منها أدبية، تذكر كل من سولت له نفسه أن يحتال على الناس و يستغل نيتهم بينما هو يحتال على نفسه و لا يشعر أنه لا يؤذي غيرها.
◊ الكرم بين التملك و اللؤم
● أشخاص تبدو كالقمر، عبيرها كالنسيم العليل، لبها علقم سم زعاف يلدغ حتى الألم. تحسبها بشرا وليست إلا تسرق سعادتك تسكن في جسدك السقم. فاحذر أن تصدق كل ما تسمع أو تهب ثقتك لكل من لا يملك من أخلاقه إلا العدم.
لا يعرف في شره الندم. شيطان في صورة إنسان لا تسلم من لسعاته و لن تسلم إلا أن يشاء الله. حسبنا الله فيمن أضمرنا له السلم فجازانا بدل المحبة حسدا و علقم.
حسبنا فيه أن الله أظهر لنا ما أخفاه للعلن. و أسقط من العباد قيمته فصار كالنخل الفارغ لا يعرف قرارا و لا سكن. هم شر العباد يصنعون الرماد لا قبل لهم ليعيشوا في النور، لا يرون أحدا غيرهم فهم أشخاص واهمون يدفعون غيرهم الثمن. لا لن يطول نهاركم، لا بد يأتي ليل تعود عتمتكم كما بدأ بكم الزمن فتعرفون سنة الله في النعم.
◊ سهام الغدر
● سهام انطلقت منذ زمن بعيد، لم أنتبه لها و لا للقناص الذي طالما كان يتعلم الصيد على يدي. و في سبيل الله و حق الله، جمعتنا ظروف حتمية بين أخذ و رد.
علمته القوافي ثم هجاني و يا ليته اكتفى بهجائي بل أطلق العنان لنفسه الأمارة بالسوء و بالسوء رماني. و حاول أن يقلب الأفئدة علي كي تذمني . كل هذا و أنا كنت من الغافلين. و حين دريت عليه أشفقت لحجم الشر المكنون و العقل المفتون بأنعم الغير.
حين دريت ضربت أخماسا في أسداس وفوضت أمري لله ووكلته. و عاهدت نفسي أن آخذ حذري و أتقي شر إحساني و عن ذاك المستنقع ترفعت. و لكنني بعد الصدمة . حمدت الله أن نبأني العليم الخبير بما يحاك في الكواليس و مما لا يوجد له أساس من الصحة و إنما هو افتراء .
◊ صنائع المعروف تقي مصارع السوء
تذكرت الآية التي نزلت في حادثة الإفك لأمنا عائشة رضي الله عنها و كيف أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يحسن بالإنفاق على ابن خالته مسطح بن أثاثة و هو أحد المتكلمين في عرض ابنته عائشة رضي الله عنها فلما قرر قطع الإحسان إليه عقابا له نزلت الآية" و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم". فتذكرت إحسان الله إلي و مع أن الموضوع صعب و صعب جدا إلا أنني سأكتم غيضي و لن أعاتب نفسي بل سأستمر في إحساني ما دام الله هداني و لن أنس جرحا أسال و لن أنس رصاصة الغدر التي جاري بها رماني.