أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

هل المتكبر يدخل الجنة: أجوبة من الكتاب و السنة

منذ فجر التاريخ، و النفس البشرية تبحث عن السعادة والسلام الداخلي. طرقٌ شتى سلكها الإنسان في رحلته هذه، منها ما قاد إلى الضياع والهلاك، ومنها ما أرشده إلى النور والهداية. يأتي القرآن الكريم كمنارة يهتدي بها السائرون في دروب الحياة، يقدم لهم خارطة طريق واضحة المعالم، تبين لهم الخير من الشر، والحق من الباطل. من بين الموضوعات التي يتناولها القرآن الكريم بأسلوب فريد، موضوع التكبر والتواضع. فما هي نظرة القرآن لهذه الصفات؟ وكيف يمكن للإنسان أن يتخلص من آفة التكبر ويُحلّي نفسه بصفة التواضع؟

هل المتكبر يدخل الجنة

التكبر: آفة تهلك النفس

قال تعالى، "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (لقمان: 18)

يُحذرنا القرآن الكريم من التكبر، ويصفه بأنه صفة مذمومة تُبعد الإنسان عن الله وعن الناس ، و ذلك لان فيها منازعة لكبرياء الله. و قد قال  رسولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: العِزُّ إِزاري، والكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقَدْ عذَّبتُه رواه مسلم. إن المتكبر يرى نفسه أفضل من غيره، ويحتقر الآخرين، ويتعامل معهم بفوقية واستعلاء. هذا السلوك يؤدي إلى عواقب وخيمة، منها:

  1. البُعد عن الله: فالله لا يحب المتكبرين، ويغلق عليهم أبواب رحمته وهدايته. كما قال تعالى: "إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ" (النحل: 23).
  2. كراهية الناس: فالمتكبر لا يجد من يحبه أو يحترمه، بل يجد النفور والابتعاد من الناس. فالتكبر يولد الحقد والحسد في قلوب الآخرين، ويجعل التعامل مع المتكبر أمرًا صعبًا ومؤلمًا.
  3. الحرمان من السعادة: فالسعادة الحقيقية تكمن في القرب من الله ومحبة الناس، وهذا ما يفتقده المتكبر. فالقلب المتكبر مليء بالكراهية والحسد والغرور، وهذه المشاعر السلبية تمنع الإنسان من الشعور بالسعادة والرضا.

التواضع: زينة النفوس

قال تعالى، "وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" (الفرقان: 63)

على النقيض من التكبر، يَمدح القرآن الكريم صفة التواضع، ويصفها بأنها زينة النفوس وسببٌ لسعادة الدنيا والآخرة. المتواضع يعترف بفضل الله عليه، ويُقدر الآخرين، ويتعامل معهم باللطف والاحترام. هذا السلوك يجلب له العديد من الفوائد، منها:

  • القرب من الله: فالله يحب المتواضعين، ويفتح لهم أبواب رحمته وهدايته. قال تعالى: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" (المنافقون: .
  • محبة الناس: فالمتواضع يحظى بمحبة واحترام الناس، ويجد القبول بينهم. فالتواضع يجذب القلوب، ويجعل الناس يشعرون بالراحة والأمان في التعامل مع المتواضع.
  • السعادة والطمأنينة: فالتواضع يمنح الإنسان شعورًا بالسلام الداخلي والرضا عن النفس، مما يؤدي إلى السعادة الحقيقية. فالمتواضع لا يشعر بالحاجة إلى إثبات نفسه للآخرين، ولا يتأثر بمدحهم أو ذمهم، بل يجد سعادته في رضى الله عنه.

من التكبر إلى التواضع: رحلة تغيير

قد يتساءل البعض: كيف يمكن للإنسان أن يتخلص من صفة التكبر ويتحلى بصفة التواضع؟ الإجابة تكمن في القرآن الكريم، الذي يقدم لنا العديد من النصائح والإرشادات لتحقيق هذا التغيير، منها:

  1. تذكر عظمة الله: فالتفكر في عظمة الخالق يجعل الإنسان يدرك ضآلته وحاجته إلى الله، مما يكسره من الداخل ويُبعده عن التكبر. فكلما ازداد الإنسان معرفة بالله، ازداد تواضعًا وخضوعًا له.
  2. التأمل في خلق الإنسان: فالإنسان مخلوق من تراب، وضعيفٌ بطبعه، وهذا يُذكّره بألا يتكبر على غيره. قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ" (الروم: 20).
  3. التعلم من قصص السابقين: القرآن الكريم يقص علينا قصص الأقوام السابقة، وكيف أهلكهم الله بسبب تكبرهم، وهذا يُعتبر عبرة لنا لنتجنب هذا الطريق. فقصص قوم عاد وثمود وفرعون وغيرهم، تذكرنا بأن التكبر يؤدي إلى الهلاك والدمار.
  4. مُجالسة الصالحين: فصحبة الأخيار والصالحين تُعين الإنسان على التحلي بالأخلاق الحميدة، ومنها التواضع. فالصالحون يذكرون الإنسان بالله، ويساعدونه على التخلص من صفاته السيئة.
  5. الدعاء والتضرع إلى الله: فالله هو القادر على تغيير القلوب، وهو الذي يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم. فلنكثر من الدعاء والتضرع إلى الله أن يرزقنا التواضع، ويطهر قلوبنا من الكبر والغرور.

نماذج من التواضع في القرآن والسنة

  • تواضع الأنبياء: فقد كان الأنبياء والرسل عليهم السلام من أشد الناس تواضعًا، رغم مكانتهم العالية عند الله. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يجلس بين أصحابه كأحدهم، ويخدم نفسه بنفسه، ولا يستنكف من القيام بأي عمل.
  • تواضع الصحابة: فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون في فعل الخير والتواضع لبعضهم البعض. فكانوا يخدمون بعضهم، ويتفقدون أحوال بعض، ولا يتعالون على أحد.
  • تواضع العلماء والصالحين: فقد كان العلماء والصالحون عبر التاريخ يشتهرون بتواضعهم الجم، وحسن تعاملهم مع الناس. فكانوا يرون أنفسهم خدامًا للعلم والدين، ولا يتعالون على أحد بسبب علمهم أو مكانتهم.

آثار التواضع على الفرد والمجتمع

  • نشر المحبة والألفة: التواضع يزيل الحواجز بين الناس، ويقرب القلوب، وينشر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع. يصبح التواصل أسهل والتعامل أكثر سلاسة عندما يتخلى الأفراد عن الكبرياء والتعالي، مما يخلق بيئة اجتماعية دافئة ومريحة.
  • تحقيق التعاون والتكافل: فالمجتمع الذي يسوده التواضع، يكون أفراده أكثر تعاونًا وتكافلًا، ويتكاتفون من أجل تحقيق المصلحة العامة. يبتعد الناس عن الأنانية وحب الذات، ويسعون لمساعدة بعضهم البعض، مما يعزز روح الفريق ويساهم في تحقيق الأهداف المشتركة.
  • الحد من الصراعات والنزاعات: التواضع يقلل من حدة التنافس غير الصحي والرغبة في السيطرة والتحكم، مما يساهم في خلق بيئة اجتماعية أكثر استقراراً وسلاماً. يصبح الأفراد أكثر تسامحاً وتقبلاً للآخرين، ويقل الميل للعنف والعدوانية.
  • تعزيز قيم التسامح والاحترام: التواضع يشجع على نشر قيم مثل التسامح والاحترام والتعاطف، مما يساهم في بناء مجتمع راقي ومتحضر. يتعلم الأفراد تقدير الاختلافات وتقبل الآخرين كما هم، مما يخلق بيئة من الاحترام المتبادل والتفاهم.
  • تحقيق التنمية والتقدم: مجتمع يتحلى أفراده بالتواضع يكون أكثر قدرة على تحقيق التنمية والتقدم، حيث يتعاون الجميع لتحقيق الأهداف المشتركة. تتضافر الجهود وتتوحد الرؤى، مما يسهل عملية التخطيط والتنفيذ للمشاريع التنموية.

كيف نربي أبناءنا على التواضع؟

    • القدوة الحسنة: فالطفل يتعلم بالمشاهدة والتقليد، فإذا رأى والديه يتعاملان بتواضع مع الآخرين، فإنه سيتعلم منهم ذلك.
    • تعزيز قيم التواضع: من خلال القصص والنماذج الإيجابية، وتعليمهم أهمية احترام الآخرين، وعدم التكبر عليهم.
    • تشجيعهم على مساعدة الآخرين: والمشاركة في الأعمال التطوعية، ليتعلموا قيمة العطاء والتواضع.
    • عدم المبالغة في مدحهم: حتى لا يتحول المديح إلى غرور، وتعليمهم أن النجاح الحقيقي هو في خدمة الآخرين.
    • تعليمهم تقبل النقد: وعدم الانزعاج منه، والاستفادة منه في تطوير أنفسهم.

    الخاتمة

    في الختام، ننبه إلى مدى خطورة هذه الصفة الذميمة و التي تحرم صاحبها من دخول الجنان فقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ. صحيح مسلم. 
MAGDA
MAGDA
ماجدة الضراوي: - طنجة. المغرب. - صانعة محتوى كتابي أدبي. -حاصلة على الإجازة في القانون خاص. - أستاذة لغة إنجليزية بالسلك الابتدائي الخاص. - درست القرآن الكريم برواية ورش عن نافع في معهد عائشة أم المؤمنين بطنجة. - درست في المركز اللغوي الأمريكي - طالبة في برنامج البناء المنهجي دفعة البشائر 5 الاهتمامات الأدبية: - الكتابة والشعر والقصص القصيرة. العضوية والنشر: - عضوة في منتديات متعددة في الوطن العربي - نشرت بعض أعمالها في المجلات المحلية الطموح. - المساهمة في إثراء المحتوى الأدبي. - تسليط الضوء على صوت المرأة في مجال الكتابة الإبداعية وباقي ميادين الحياة. رابط القناة على اليوتيوب: النسخة الإنجليزية https://www.youtube.com/@memeathoughts-dr
تعليقات