- و مهما يكن للمرء من أعداء، فلا أجد أشد عداوة له من نفسه، و لأنها غالبا أمارة بالسوء فقد وجب الحذر منها أكثر ووجب تربيتها على السلوك القويم حتى لا تحيد بصاحبها عن الصراط المستقيم.
و لما كانت التزكية أمرا جوهريا عند المسلم، فإنه لا بد من المجاهدة بشتى الطرق و في كل حين في هذه النفس لترتقي من المظاهر إلى صقل الجواهر. فما أجمل من نفس نقية زكية قد جاوزت أطماعها رضى البشر إلى ابتغاء مرضاة رب البشر. فهل إلى ذلك من سبيل؟
كيف تحذر عدوك الخفي
- كلنا يحب المدح، فأنا أحب المدح و أنت كذلك تحبه، فالمدح مما جُبِلَ عليه الإنسان. و لكن، شتان بين من يحب أن يُمدَح لشيء صالح يفعله و يقدمه للناس و بين من يحب أن يُمدَح لشر يفعله أو يَسُنْه للناس. و إن كان في الأصل أن الأفضل أن لا يلتفت المرء لامتداح الغير لأن في ذلك خوف على أن ينتفي الإخلاص من العمل الذي قصد به وجه الله بادئ الأمر.
1/صور من مزاحمة الأعمال الشريفة بالدنيئة
2/احرص على أن لا تزاحم غاياتك الشريفة بغاياتك الدنيئة
- كنت أظن أن العمل الغير الصالح أخطر على قلب المؤمن في إحباط العمل، غير أني اكتشفت أن هناك ما هو أخطر منه و أقبح لما علمت أن العمل الصالح في ذاته قد يذهب هباء منثورا إذا خالط فيه صاحبه عجبا أو ثناء من أحد. لأن الذي يعمل العمل الصالح يكون قد جاهد نفسه في تحمل المشقة و مع ذلك لا تشفع له مشقته لأنه أدخل في غايته غايات أخرى، فالحذر كل الحذر من مصائد الشيطان الذي يتربص بنا في كل حين.
أحيانا تكون النية خالصة و العمل صالح و لكن في الطريق قد يأتي ما يفسدها فإن لم يكن مدحا، فقد يأخذ صورا أخرى كالمن و الأذى أو كالندم إن لقي في سبيل الله عدم تقدير أو سوء معاملة، أو إن أعقب عمله بالعجب و الغرور ناسيا متناسيا أنه ليس بصاحب فضل على أحد و إنما هو فضل الله عليه و توفيقه إذ ساقه لهذا العمل.
3/ أمور تفعلها حتى لا يحبط عملك
- و حتى يسلم المرء من كل هذه المحبطات فلا مناص له من الاستعانة بالله و اللجوء إليه ليعينه على إصلاح نفسه و تجديد النية كل حين، فالذي هو دائم الارتباط بربه و المنتهج لما سار عليه نبيه من الاستعانة به و التوكل عليه، أبدا لن يجد له الشيطان حظا و لا مدخلا حتى يفسد عليه عمله.
* ليطمئن قلبك
- و للتوضيح أكثر، و حتى لا يلتبس الأمر على صاحبه، فالذي يأخذ بكل ما سبق من الأسباب، ثم بعد ذلك تحدثه نفسه أنه غير مخلص في عمله فعليه الا يلتفت لحديثها و ليس عليه شيء وإن مدحه من مدحه.
قد أكون أطنبت في الحديث، و لكني رأيت أنه من الجميل أن نلفت لنا و لبعضنا الانتباه لهذه التوضيحات حتى نصحح مصيرنا في كل صغيرة و كبيرة و نكون حقا من أولئك الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.
- و مما قد يعين المرء على الإخلاص و دفع حظ النفس عن الجزاء و التطلع للثناء هو قراءة سير الصالحين و التدبر فيها و كيف كانوا يواحهون هذه العقبات الدنيئة، فتجد أحدهم مثلا كلما وجد إطراء و حظا من العجب في نفسه قابله بعمل منهك لها و شق عليها في ذلك خوفا عليها من أن تدنو به منزلة إلى اتباع الهوى و هو ما قد يكون ضعفا لهاته النفس البشرية لا ابتغاء لعلو.
و من مثل ذلك ما روي عن الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه يوم خطب في الناس فسولت له نفسه من عظمة الأمر و مكانته بين الناس فهرول إلى الحمامات ينظفها لا لشيء إلا ليمرغ عجب هذه النفس و يربيها حتى تعود لصوابها.
كم نحتاج نحن في هذا الزمن لمثل هذه السلوكات القويمة خصوصا و أننا في زمن وسائل التواصل و و ما فيها من أزرار الإعجاب و المشاركات . و هذا ما يجب أن نستحضره دائما حتى لا يحبط عملنا و نحن لا نشعر.
حري بك اأها السائر إلى ربك حبا وطواعية أن تنأى عن ذلك بأن تؤثر الأبقى عن الأدنى إن كنت كيسا. فسدد و قارب لعلك تفلح.
خذ حذرك
خذ حذرك و لا تكن منهم. و أنت تمضي يومك بين حادث و حديث لا بد أن تقع في شراك اللمم و الآثام، بقصد أو بدونه، شراك الفتن منصوبة ليل نهار تحصد دون هوادة فلا تكن عنها بغافل.
يكفيك أن تجتهد و تحرص على مراقبة الله لك فإذا غالبتك نفسك او شيطانك فعد بسرعة إلى ميدان التوبة و الاستغفار، وأصلح ما يمكن إصلاحه و لو بلغت تجاوزاتك عنان السماء.
لا تضع رأسك على وسادتك إلا و قد رصدت نجاحاتك و استفدت من أخطائك. و أزح عنك أثقال الأحقاد كما تخلع ملابسك لترتاح و تطيب نومتك. لا تدري لعلها تكون المدنية لك من الله حين تعفو.
لا بأس أن تجعل لك في كل فترة استراحة فيما أباحه الله لك وجدد نيتك و كن داعيا إلى الله بسلوكك تنل صدقا و كل خير. كل شيء يتغير من حولك فلا تظل ساكنا كبركة فيصيبك العفن.
تحرك و كن كالماء طاهرا متدفقا بالخير و اطمئن، سيصل عملك و لن يضيع. و تذكر أننا كلنا ماضون لما قدمنا. فقدم خيرا تجده حتما، سنة الله فيما كان له بقي و نما و فيما دونه ذهب جفاء.
احذر مغبات
و حين تأخذك العزة بالإثم فتظن أنك النابغة في كل شيء. كل شيء لك فيه فهم و تحليل، و تظن أن لا أحد مثلك و لا يشبهك أحد فتنعت غيرك بالدونية. قاصر النظر و أقصر الفكر أنت. تلك مغبة.
تحاصرك القيود المتعددة من كدر و هم و دين و غم فتترك ما في نفسك و ما صدر منك و تسيء الأدب و تقول لماذا يحدث معي هذا. لماذا، و عوض أن تحاول أن تعرف الخلل تصر على التهجم و التذمر. لقد ألفت دائرة السوء و العلل. فتلك مغبة.
و تنظر يمينا و تلتفت شمالا، ما بالك ساكنا لا وجهة لديك لتقول شيئا لتعبر عن توافق أو رفض فتختار الصمت في زمن يقتضي منك الكلام. فتكون قيمتك صفرا و على اليسار فتلك مغبة.
و يخطف الموت من حولك زهورا لم تتفتح بعد و تتخطاك المنايا لتعود إليك في أجل مسمى فتصر على الغفلة و التغافل كأنك خالد أو لك في الخلود نصيب. فتلك مغبة.
و تسمع كلامي و ما يجدي كلامي إن كان ما في كتاب ربك قد أجمع و فصل في حل و حرام و تعرض لأنك تريد أن تسمع كلاما آخر يرضي غرور هواك. فتلك مغبة.
كم لك من مغبات ايها المفلس بين جنبات الحياة . و هل لك أن تتدارك إحداها فتغنيك عما تبقى. فاعلم أنما هي مغبات لا غير.