![]() |
كن ذاكرا لله. خواطر |
تمهيد
و عندما نشعر بالاستياء من الدنيا و من الناس، و تنطفئ شعلة الحياة فينا. و حين تنتابنا عدم الرغبة في المواصلة فيما كنا نصبوا إليه من قبل، يعالجنا الذكر. ذكر الله بلسم و إكسير يتسلل دون مرأى منا و يصلح فينا ما فسد و ما ضعف. فتصير قلوبنا نابضة من جديد، ذاكرة متذكرة لأنعم الله. و لأن عنده كل ما نحتاجه، فهو الذي يفرغ علينا بالمدد من التقبل و التحمل، فتقل بذلك مخاوفنا و ينخفض حجم همومنا و أثقالنا و تتجدد طاقاتنا أكثر و أكثر.
إنه لمن الجميل أن نذكر بعض فضائل ذكرنا لله في شتى الصور. و ذكر الله إن كان يفهم منه عموما القول باللسان، فإن المقصد الذي أعنيه هو كل ما له صلة بالله أو في اتخاذه سبيل يوصل إلى الله و استشعار وجوده معنا و عظمته و جلاله. فالذكر المحمود طبعا هو ذاك الذي يتعدى أثره ترديدا باللسان بل هو تصديق بالقلب قبل ذلك وعمل متعدد الصور.
ففي الصدقة ذكر لله و حتى لمن يرى هذا النموذج القويم، .يرى في ذلك حقيقة تعلقك بربك أيها المسلم مهما كان هذا المال عزيزا عليك. و في تبسمك في وجه أخيك ذكر لله لأنه يجسد مطلب قرآني حقيقي في الموالاة و التآخي بين المسلمين بعضهم ببعض. و في اجتناب سفهاء القوم و و الخائضين مع الباطل ذكر كذلك، لأنه صورة لأولئك الذين مدحهم الله في كتابه : وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63). سورة الفرقان.
هي خواطر نسجتها من واقع ظهرت ثمراته في كل مؤمن متيقن بكلام ربه و وعده له في المعية و النصرة. و هي لا تؤخذ على سبيل التجربة بقدر ما هي ضرورة حقيقية ليقيس بها المسلم صلابة اتصاله بالله .
و خلصت إلى أن في الذكر حياة القلب و قوة القالب، و أن ظني في ربي بإيماني به هو الغالب. و أن ذكر الله لا يناله إلا ذو شرف و مقام عند ربه، يدنيه منه في الرخاء و عند المصائب.
لو أن الغافل عرف ما حُرِم، ما تكالب على ما في دنياه ما تحسر على نِعَم . ما أحزنه ما فاته ما نَدِم، فبفرحته بالله حين يذكره ينال بها خير ما يعطى السائل فذكره وصل بلا انقطاع.
فوائد ذكر الله
هل جربت يوما أن تنقطع عن الدنيا و تصل حبلك بالله حين انقطع عنك الجميع. هل حاولت أن تقترب من البديع ذو العجائب و اللطائف. من إذا كلمته سميع أو دعوته مجيب. أجبني يا حائر في بحر هواك و الضياع. هل جربت أن تكون له عبدا مطيع، دون أن تثاقل أمرا تقول سمعا و طاعة.
هل حدث أن بلغ
منك الإيمان مرتبة المريدين و الأحبة، و غبطت عيشتهم حين اقتصروا على إنابة و
أوبة.
في حين أن الغافلون قد لجأوا إلى حبيب سواه و ذوي قربى. ومن هو لاه في فراغ
أو لعبة..
حدثني إن كنت
محظوظا، كم رأيت من رغد العيش مع أولئك الذين لهم في كل ذكر سكينة و حبا.
فعلا سبق
المفردون. فتفرد يا عبد الله بذكرك لله و اجتهد ما استطعت في حمد و تسبيح،
درر منسية
ألا بذكر الله تطمئن القلوب..
إن ذِكر الله
من أثمن الدرر التي قد يتجلى إنعام الله به على عباده.
هل تعلم أن ذكر
الله يعين على تحمل المصاعب و الجوع و مختلف أنواع البلاء.
و هو أرجى
للإجابة عند السؤال.
و هو قبل كل
هذا محبة إلى الرحمن.
فمن ذا الذي هو
ذو حظ عظيم يذكر الله قياما و قعودا و على جنبه اجتباء و اختيارا، لا ضرورة أو
اضطرارا.
و إن للذاكرين
الله كثيرا و الذاكرات قصصا مبهرة و كرامات مثيرة.
هذا و أن مما لا شك فيه أنهم
ممن أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما.
هل تعلم أن في ذكرك لله تخلية و تحلية و تجلي . فالأولى طهارة و نقاء من الشرك و ما شابهه، و الثانية تزكية و شفاء من النفاق و ما ماثله، و الثالثة قربى و زلفى و حسن مآب إلى الذي سواه و عدله.
و أي ذكر لله الذي يحقق كل هذا و كيف يتحقق؟
كن ذاكرا لله:
ذكرك لله يشترط
فيه استحضار و جمع باللسان و الجنان معا، حيث تتجلى عظمة الله و جلاله في قلبك
فيطاوع لسانك ما صدقه القلب، وهذا مما قد تقشعر
له الأبدان.
و إن في ذكر
الله فتوحات لا يدركها إلا المؤْثرون ما عند ربهم على ما عندهم.
العاملون على
ذلك الطالبون بلا توقف و لا تردد. الساعين بكل يقين إلى أن عوض الله كبير و لا حد
له،
الذين ذاقوا
الرحمة في كنف الإله، و غشيتهم الرحمة بذكر الله فكان الذكر عندهم منهاة لكل فحشاء
و رذيلة، و مدعاة لكل بر و فضيلة.
و في المصائب و المحن، تسليم و تقبل للقدر و تبرأ من كل حول أو قوة، و لجوء إلى الله لجوءا كاشفا للعجز البشري في دفع المقدر من الله، نافيا لكل مسبب في الضر أو النفع دونه. و كأن الذاكر لله بذكره هذا يطفئ لهيب الغضب و يهون حجم الحزن و الألم حينما يدرك أن ما أتاه من الله و ليس من غيره، فهو صاحب الأمر كله.
من ثمرات الذكر
إن القلب الذي
لامس ثمرات ذكر الله لن يملأ وحشته غير الذكر مهما امتلأ بما سواه.
و ليستعذ المسلم دائما من أن ينسيه الشيطان ذكر ربه فينسيه نفسه.
كانت هذه خواطر لنستزيد بها و إضاءات مشرقة نتذكرها بين الفينة و الأخرى لنعمل بها و تظل محطات فوز في صحائفنا فلا يمر يومنا إلا و قد زيناه بالذكر و حصنا به أنفسنا و أهلينا من الفلق إلى الغسق.
و ختاما، نسالك
اللهم أن تجعلنا من الذين ألهمتهم ذكرك و رشدا و أعقبتهم بعد ذلك رضا. اللهم آمين.