لا حيلة مع الله ( قصة قصيرة)

   من الآفات الخطيرة التي نعيشها في حياتنا هي وجود أناس معنا على شاكلتنا في المظهر و السلوك، بل أحيانا نتوسم فيهم الصلاح أكثر منا بينما يكونون في الواقع من شر الناس. لكننا لا نشك فيهم أبدا لأننا لا نرى منهم إلا حسنا و أفعالهم التي تبدو لنا نصنفهم من خلالها. لكن الله تعالى هو الوحيد الذي يطلع على سريرتهم. فمنهم من يفضحه في مواقف و منهم من يؤخر عقابه حتى يوم لقائه. و هؤلاء الصنف من الناس ما أكثرهم و ما أخطرهم في زماننا هذا.

لا حيلة مع الله . قصة قصيرة
لا حيلة مع الله . قصة قصيرة


هذه القصة القصيرة التي بين أيدينا هي مثال عن نموذج من هؤلاء البشر. أتمنى أن تكون عبرة و حجة لنتجنب هذا السلوك الخطير على النفس في حد ذاتها و على المجتمع قاطبة.

الصورة الاجتماعية

-  و كان في الحي رجل تبدو عليه ملامح التدين. لم يكن يترك فريضة إلا و صلاها في المسجد. و كان سباقا لإغانة المحتاجين من الحي. و كان في كل ليلة يتفقد أحوال الأرامل. يقضي حوائجهن و لا ينام إلا بعد أن يقرأ ورده من القرآن.  لكنه بالمقابل كانت له زوجة زوجه  إياها أباه، و لم يكن يحبها. فكان يرى فيها حظه السيء و عجزه لمواجهة أبيه و إثبات قراره و استقلاليته. 

كانت زوجته ذميمة  الوجه نوعا ما. و في الحقيقة، لم تكن ذميمة و لكن كان النمش الذي يغطي وجهها يحجب حروف جمالها. كانت له زوجة مطيعة بينما كان لها زوجا عصيا جحودا قاسيا. فكانت إذا جنح الليل و هم إلى فراشه لينام كانت تنزوي في غرفتها و دون أن يسمع لها حركة، كانت تسائل نفسها كيف هو الشخص القاسي معها هو نفسه الرجل الحسن الاخلاق ذو الكرم و الجود مع الجيران و مع باقي الناس. فتحزن و تبكي و تعلم أنها حتى لو اشتكت لأحد  تعنيفه لها فلن يصدقها لما يرون منه من حسن المعاملة . 

غفلة و ضعف

- و في الحي نفسه، كان هناك رجل عربيد سكير لا يحبه أهل الحي. و رغم أنه لم يكن يؤذي أحدا إلا أنه كان إذا فقد وعيه يصرخ بشدة. كان يستعمل أدوية تزيد من هلوسته. في إحدى الليالي الشتوية القاسية، اقتربت هرة من نافذته و بدأت تئن في أنين كأنها طفل صغير. سمع بأنينها و موائها فخرج إليها فوجدها تشتكي من الجوع و البرد. و لحسن حظ القطة لم يكن الرجل ذاك اليوم  قد أخذ حصته المعتادة من النبيذ. أدخلها إلى بيته و عطف عليها و اعتنى بها و بعدما توقف المطر جعل لها بيتا كرطونيا قرب منزله و صار يتعهدها بالعناية كلما كان صاحيا و في وعيه، فلا يأكل إلا إذا أكلت و لا ينام إلا بعد أن تنام.

- و مع الأيام نمت بينهما علاقة تعاطف و حنان حتى أصبح يشعر أنه مسؤول عنها.

 في المقابل، كان الرجل ذو المظهر التقي يستمر في أعمال الخير و يبادر إليها كلما سمع بحاجة لذلك. مضت الأيام و شاءت الأقدار أن يصاب الرجل السكير بمرض فانتابه الخوف و الضعف.و لكن تبين بعد فحوصات شاملة أن مرضه لم يكن خطيرا فقرر في لحظة أن يتوقف عن مقارعة الخمر و يتوب. و عوض ذلك بأن جعل مصروفه الذي كان ينفقه على الخمر حوله ميزانية لإطعام القطط و العناية بها. 

صدق و صلاح

  أما صاحبنا المدعي للالتزام و المنادي كل وقت بالناس إلى الصلاة و التقوى بقي على حاله. حتى توفيت زوجته من شدة التفريط و النبذ الذي كانت تلقاه على يديه. بعد ثلاثة أيام من عزائها،  تزوج بقناة تصغره سنا بكثير. إلا انها كانت الأوفر حظا حيث حظيت منه بمعاملة طيبة، غير أنه لم يعد يشعر بطعم الراحة بعد وفاة زوجته الأولى فكان كلما نام آها تخاطبه في المنام و تقول له إذا أردت أن أسامحك فاذهب إلى جارنا السكير و اسأله كيف توقف عن إدمانه،  فحين يجيبك سيطلعك كيف تكفر عن ذنوبك معي. لكنه لم يستجب لوصيتها و صار يغير مكان مبيته. و رغم ذلك كانت نفس الرؤية تتكرر عليه. 

قلق و ريبة

  في اليوم الثالث من رؤيته نفس المنام،  قرر أن يذهب و يقيم عند جاره و يحاول أن يلاحظ التغيير الذي أصبح عليه دون أن يحكي له شيئا.  ذهب صباحا و طرق الباب، لم يفتح أحد، انتظر وقتا طويلا قبل أن يدفع الباب و يخترق البيت، وجد الرجل قد مات و هو يصلي و بجانبه وجبات القطط. كان ينوي توزيعها بعد أن يفرغ من صلاته. 

تركه على حاله و عاد لبيته و لم يخبر أحدا بالخير. و في الصباح الموالي ذاع خبر وفاة جاره و أصبح  الناس يتداولون طريقة وفاته و كيف ختم الله له أيامه. و كان هذا يثير غضب الرجل المدعي التدين. كان يجد في كلام الناس مبالغة. أصر على عناده و عدم شعوره بالذنب و الاعتداء تجاه زوجته السابقة جعله يعدل عن فكرة التكفير عن ذنبه فهو لا يعتبر نفسه آثما. و لأن الناس لا يدرون بحقيقته و بما أنها قد رحلت، فقد أزاح عن ملعبه حملا ثقيلا. 

الجزاء من جنس العمل

   مرت الأيام، و بلغ الرجل من الكبر عتيا، و ما تزال هيبته ووقاره عند الناس، و ما يزال يوكل الناس لقضاء حوائج المحتاجين و الفقراء. حتى اقتربت ساعة منيته، فلم يعد يقوى على فراق فراشه. دخل في مرض الموت و أصبح لا يرى إلا روح زوجته تخاطبه و تقول له لا سترك الله و لا هداك فقد حرمتني سعة الحياة و إني لأطلب الله أن يضيق عليك في قبرك و لا يشعر بك أحد. كانت تلك الرسالة بمثابة الصفعة التي لم يجد لها مخرجا هذه المرة كما كان يفعل في كل مرة. و أدرك متأخرا أن لا حيلة مع الله،  فزاد غروره و طمعه في الحياة ؤ مات في أحقر صورة و بقي الناس يترحمون عليه و يضربون به المثل في الحي و لم يعرف بخبث نفسه إلا مولاه و خالقه.

هي  قصة ، فيها رسالة لأخذ العبرة و ليست تشويها بالمسلم المتدين، بل هي صورة تعكس حياة بعض المنافقين الذين يظهرون الصلاح و يبطنون الخبث و الفساد.  و كذلك جاءت قصة السكير الذي تاب في النهاية لتظهر كيف أن رحمة الله قريبة حتى من العصاة و هذا لا يعني أن هذا الأخير أفضل من الأول و إنما الإشارة كانت هي التركيز على تزكية النفس و مراقبة الله في العباد و ليس الغاية الحصول على مدح الناس و إطرائهم. 

MAGDA
بواسطة : MAGDA
ماجدة الضراوي: - طنجة. المغرب. - صانعة محتوى كتابي أدبي. -حاصلة على الإجازة في القانون خاص. - أستاذة لغة إنجليزية بالسلك الابتدائي الخاص. - درست القرآن الكريم برواية ورش عن نافع في معهد عائشة أم المؤمنين بطنجة. - درست في المركز اللغوي الأمريكي - طالبة في برنامج البناء المنهجي دفعة البشائر 5 الاهتمامات الأدبية: - الكتابة والشعر والقصص القصيرة. العضوية والنشر: - عضوة في منتديات متعددة في الوطن العربي - نشرت بعض أعمالها في المجلات المحلية الطموح. - المساهمة في إثراء المحتوى الأدبي. - تسليط الضوء على صوت المرأة في مجال الكتابة الإبداعية وباقي ميادين الحياة. رابط القناة على اليوتيوب: النسخة الإنجليزية https://www.youtube.com/@memeathoughts-dr
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-