هل تعلم أن غربتك بين الناس قد تكون نعمة؟!
عندما يصبح الوسط عكرا بعد أن كان عطرا و تجد أنك لا يفهمك إلا قليل و تحاول أن تفهم فتجد المنطق عليل، حيثما وليت وجهك تجد صخبا ورائه التابعون، من أين يأتون و كيف يتكاثرون و كيف يفكرون، هنا تجد نفسك وحيدا متعجبا من التحول الجذري الذي طال محيطك و لم يطلك و كأنك أنت الدخيل بمبادئ أصبحت ترى أنها منكرة في هذه الموجة العارمة من السفسطة و الهيم في كل واد.

كيف نواجه التفاهة. مقالة
ألا ترى أنك رغم استوحاشك لعصرك فلعمرك إنك لفي نعمة إذ لم تفقد حقيقة الاستمتاع بالحياة الحقيقي بعيدا عن فلتر الأضواء و فلتر الوجه و فلتر الصورة.
في عصر الأقنعة و الألقاب اللامعة تود لو أنها مغناطيسا لتسحب كل الأعين و تقنع كل الأسماع بما لديها من جديد التفاهات و المشتريات، حيث أصبح تقاسم اللحظات مع الناس حاجة ملحة و أصبح يسمى تأثيرا و هو كذلك إذا قارناه سلبا تجاه ما ينفع الناس.
و حيث لم يعد النفع في الأصل مطلبا فلا تسأل عنه و لا تسأل عن ما وراء هذا العرض. لا وقت و لا جدوى لذلك. إنه وقت الظهور لا السطور، إنه وقت الشرور.
على أيدينا تُصنَع و بلا وعي و يكفي بصماتنا إثما أن تمرر ما فُرِض عليها و ما لم تطلبه حتى، و يكفي الفضول أن يكون أب الخبائث و أول أسباب التأثير.
اتفق رواد التفاهة أن يكسبوا الرهان و لو بعد حين. بنَفَسهم الطويل و دأبهم على الملاحقة و المواكبة مهما كان الثمن. فالمزامنة أصبحت حاسمة ليعتد بك إن كنت تدخل في تحديثات الترند الموالي أم تتخلف عن دخول التاريخ بزعمهم.
لقد قرأت كتبا و سمعت حكايا لكن الوقت الذي نحن بين يديه لسابقة في تقديم المعدمين على المبدعين و لإخفاء النابغة و طمس الهوية بشتى الأسماء فكيف لا تفتخر بنفسك أنك غريب في هذا الزمن العجيب! .
صراع الأشاوس
حرب ضروس يخوضها أصحاب الهمم و القمم لله درهم مع أصحاب القمامات و التفاهات لا بارك الله لهم مستعينين فيها بكل ما يمكن أن يقويهم ليستأثروا بالصدارة.
لكن العلامة الفارقة بينهم و الرقعة شاسعة متسعة فشتان بين من يدعو و يسعى للبناء و بين من يسعى و يذوذ عن التهديم و الأكثر من ذلك لن يكون هناك أكثر شماتة من أن يتوقف أثر المهدمين و بين من كانوا للأمام قائدين و مقتدين فقد تكقل الله بالقبول و التأثير و الأثر الذي في سبيله كان و انحصر بذلك طمع المدنسين للحق المزينيين الباطل الملبسين على الناس.
و لأن المقاصد تباينت، فالأجدر ألا ننخدع بما نرى بل ندقق في الوقت و الزمن، و أكبر دليل على ذلك من سبقونا في التميز في أبواب العلم في زمن غابت فيه هاته وسائل الانتشار، فلم انتشرت رغم قلة الوسائل حتى حلقت في الآفاق مدوية، أليس لأن ثمرتها كانت طيبة و أصلها ثابت فلا تنظر لمن حولك و لكن انظر إلى مقام الله في قلبك يرتفع قدرك و تفهم المعنى الحقيقي للأثر، و تدبر الآية الكريمة:
"فَٱنظُرْ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ ۚ"
كذلك القلوب و الأسماع فهي بمثابة الأرض، و كذلك أصحاب الهمم و القمم هم بمثابة المطر. فاللهم زكًِ نوايانا حتى يكون لنا الأثر و لو بعد حين.
ماذا يتوجب علينا تجاه انتشارا التفاهة؟
أخي أخيتي، واقع الحال لا يحتمل الانتظار أو التأجيل، و سأقولها بدون تمهيد أو مقدمات. كيف يمكننا أن نكون جسدا واحدا إن كنا ببعضنا غير مبالين.
وحدتنا تتآكل كل يوم و نزيدها فرقة. و نريد التغيير، من أين يأت التغيير و نحن خلف الأحداث بالتفرج مكتفين. و لكن الأمر في الحقيقة لا يستحق الكثير من التفكير، و لأن يبدأ كل واحد منا بنفسه فيجاهد فيها بالعلم و التعلم و ينتقص من تفاهات الأمور التي يتضمنها يوم
ه لتقدمنا بشكل كبير.
و لأن يتعلم أحدنا في اليوم و
الليلة آية قصيرة و يفهمها . لو
يتدبرها فيدرك مقتضاها و ما يريده الله منه تجاهها فيجتهد في العمل على ضوء ذلك.
و لَأن
يحفَظ أحدنا حديثا نبويا مهما مما ينجي من المهالك و يهدي إلى سواء السبيل فيخلص في طلبه
من أهل العلم الربانيين و يحاول قدر المستطاع أن ينشره بسلوكه أو بقوله بين أهله و عشيرته لوفقنا الله فيما نريد و لهدانا في نوايانا و أعمالنا.
و لأن يتعلم أحدنا علما دنيويا يفيد به مجتمعه و أمَّتَه - و ما أحوجنا في هذا الوقت بالذات لذلك- فبنعمة من الله قد صار ذلك مُتاحا و سهلا مع وجود الأنترنت و مصادر العلم المهمة و المختلفة فيه، فوالله لكان صار يومنا أطول و مباركا و ذو قيمة قَيِّمة .
لَأن نُشارك ولو
بقليل بسلوك قويم فيه من الخُلُق الحَسَن ما يَشُدُّ المرءَ لهذا الدِّين و لو زينَّا به
محتوياتنا على صفحاتنا التي ننشرها يوميا على شبكات التواصل لانتفع بذلك منه الكثير من التاس. لغيَّرنا النَّظرَةَ و ما اكتفينا
بالتَّقاعُسِ و النَّدْبِ على أحوال الأُمَّة، و لكان خيرا لنا.
لوْ بادرنا بأن يُحاسِب كلّ منا نفسه
و ينظر ما يمكن أن يُقدِّمه في تحسين خُلُقِه تُجاه ربه وتُجاه مَن حوله و يسعى في الإصلاح
قاصدا بذلك ابتغاء وجه ربه لا مُستعليا و لا مُتباهيا لأَتَت كل الجهود أكلها.
