و يأتي شهر رجب من كل سنة، و يذكرنا هذا الشهر الحرام بمعجزة الإسراء والمعراج لتكون بشرى لأتباع هذا النبي العظيم - هذه الرحمة المهداة- و أن الحزن مهما بلغ فلا بد أن يأتي يوم الفرح و ليس هناك أعظم من فرحة الله بعبده و نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فكانت له الحسنى فرأى من آيات ربه الكيرى.
![]() |
مستخلصات من رحلة الإسراء إلى المعراج |
معجزة الإسراء والمعراج
رحلة جبر و إمامة
في عام الحزن ابتدأت الرحلة، ولما اشتد البلاء، و رحل السند عن الصادق الأمين، اشتد ظلم المشركين له فتمادوا في محاربته و دحض دعوته بكل ما أوتوا . وضاقت على النبي صلى الله عليه و سلم الأرض بعد وفاة زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حيث لم تكن زوجة له فحسب، بل كانت مؤيدته و مصدقته و داعمته و معينة له في دعوته. و ها هو ذا عمه رغم إعراضه عما أتى به الا أنه كان له سدا منيعا في وجه كبراء قريش. قد مات و ولى الجميع و صار محمد النبي صلى الله عليه وسلم يكابد اللئواء وحده حتى جلس يناجي ربه بالدعاء قائلا:
"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك" .
فما لبث أن دعا ربه حتى أتاه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الجبال الأخشبين فما كان جواب هذا النبي الذي أثنى عليه ربه في كتابه قائلا: «و إنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ»إلا أن قال أريد أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، فأتم الله عليه نعمته فكان هو صلى الله عليه وسلم حظنا من الأنبياء، و كنا بفضل الله حظه من الأمم.
فيا أيها الجاهل السفيه، من سفهت نفسك عن نهجه و لم ترض بسنته لك سبيلا و منهاجا، انظر إلى ما تكنه أنت له، و انظر الى ما فعله لأجلك و هو النبي الكريم العزيز عند ربه.
ثم ياتي الجبر برحلة الإسراء إلى المسجد الأقصى على ظهر البراق و يصلي سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بكل الأنبياء. وكانت صلاته تلك دليلا على مدى الارتباط بين دعوة الأنبياء جميعا، و كذلك حجة على ضرورة اتباع محمد آخر الأنبياء و أفضليته عليهم قاطبة، فقد أشار صلى الله عليه وسلم في حديث و هو حديث حسن ما معناه أنه قال "لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي" لشمولية هذه الرسالة و فضائلها.
رحلة معجزة و إعجاز
ثم يعرج به السماء و يمر بالسموات السبع، و في كل سماء يفتح له في ترحيب و جو مهيب و يسلم عليه الأنبياء تترا حتى يصل سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم فيسلم على سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام فيقول له أن يقرئنا السلام و يخبرنا "أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ".
ثم تبدأ له الانكشافات من أحوال الناس في الجنة و النار . و تفرض الصلاة في خمسين ركعة، و كلما عاد إالى نبي الله موسى أمره بأن يطلب من الله أن يخفض عددها لثقلها على أمته و هكذا بقي النبي يعود إلى ربه و يطلبه التيسير فيها حتى صارت خمس ركعات في اليوم و الليلة، و بقيت خمسون في الفضل و الأجر. فقد نال أشرف الأنبياء هذه المنزلة وبلغ سدرة المنتهى و هي منزلة لم يدركها نبي قبله.
هذه المعجزة نؤمن بها جملة و تفصيلا و لا نسأل كيف بل نقول ما قال ربنا:
«سُبْحَٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلًا مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْأَقْصَا ٱلَّذِى بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنْ ءَايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ».
كانت هذه مستخلصات من رحلة الإسراء و المعراج.
و بهذه المناسبة الغالية، أتقدم بكلمات مدح و ثناء في حق هذا النبي الهاشمي عليه أزكى الصلاة والسلام.
كيف يكتفي المريد أو يتوقف عن ذكر الخصال و طلب الوصال من أحمد. خير من مشى على أرض فطوبى للأرض بعد مجيء محمد. هو الذي إذا ذاق الفؤاد الصدق في حبه أطاع فكان بالاتباع خير محب و شهيد. سأقول فيه ماشاء الله و أعبر في حبي له و أزيد.
في هدي النبي محمد
من جيد لأجود
إني سمعت في الأثر
أن الطبائع تُسحَب
من الصديق إن يعهد
على التَّقيُّد
إلا ما كان خالصا
فخذه عن محمد
كل مثل كي تصعد
قلب في البرية ما تشاء
لا لن تجد و لو تجتهد
ندا لجاه محمد
و في صمته إقرار في تودد
هل جاورتك حظوظ الحياة
و لو على بسط المنام
إن الرؤى مثل هذي
كم تُسعِد
ففي الأخرى حظ كبير
لمن يرجو شفاعة محمد
إن الرجا مع العمل
لن يخطئا في الموعد
فزد لك من عدد و تعدُّد
في صلواتك على الأمين الأحمد
و جعل مسك الختام