هذه المقالة تصور الحوار الذي يديره المرء مع نفسه المتطلع للترقية بنفسه في مراتب التزكية فلا يخلو انفراده بنفسه من محاسبة للنفس و تصحيح اعوجاجها و محاولة إقامتها لتستقيم.
.jpg "خواطر مريد على المنهج الرشيد"){kind=tracking} |
| خواطر مريد على المنهج الرشيد |
سفينة نجاة
كيف أجلو الغبار عن الروح و أنعش الذاكرة
إن بيئتي هاته باتت فضاءات عابرة
لا جديد فيها و إن أتى الجديد
فلا يثلج صدرا و إنما
يؤلم من شدة قسوته
لا يبالي بالإنسان فينا
و يبطش بقوة قاهرة
لم أجد ببن صخب الحياة
سفينة نجاة إلا زاوية
في بيتي
إذا ما فتحت كتابه
و سمعت خطابه
رسمت جسرا ببن الفانية و الباقية
فإذا بالروح تسلو و يختفي خوفها
و إذا بالقلب يطمئن فتسمو سكينته
و إذا بي
و قد اختفت كل هواجسي و كوابسي
ماذا سيحل بي
لا شقوة بعد الآن.
هنا محل كل تائه شريد
هنا مرتوى كل عطشان
هنا الأمان يبدأ لا ينتهي
هنا فضل من الرحمن.
خواطر مريد على المنهج الرشيد
و في منتصف خمسينياته، ذات عشية دافئة، تيمن تسبيحا و أخذ أريكته المفضلة و غاص في تفكير عميق:
لو أن لي بعمر مديد أكون فيه الأكثر صلاحا و إنجازا و للأوقات اغتناما، فأكون نموذجا حقيقيا و نسخة حقيقة للإنسان المسلم الذي ما علم من أبواب البر شيئا إلا دخله، و ما علم من أبواب الشر شيئا إلا أوصده و اتقاه.
أن أكون ذاك المسلم الذي ما وصله شيء من سنة عن الحبيب إلا فعله، فلم يُبقِ سببا من أسباب البيع الرابح إلا اتخذه تجارة. و لكن العمر قصير و الآمال طويلة لا حد لها.
انتبه ضميره فجأة فقال له : و هل تقاس الأعمار بالأيام أم بالأعمال، و ما يمنعك أن تفعل ما كنت تقول إذ تدعي أنك موقن بجدوى الطريق و نجاعتها.
ابدأ بما تُطيق، لن يسألك الله ما لا تطيقه. و اعلم أن أنواع البر ما تعددت و تنوعت إلا لتيسر على الناس و لتقطع الحجة على من اعترض.
فكما هي أبواب الخير و الشر تنوعت و تعددت فكذلك أبواب الجنان و العذاب تنوعت حتى يعمل كل لما يسر له.
إن صلاحك ليس مشروطا بعدد الأعمال أو حصرها، بل إنه من أحد أو بعض مداخل البر فإن حزت عليها كنت ذا حظ عظيم.
فمستحيل أن يلمّ المرء بكل ما أتى به متمم الأخلاق صلى الله عليه وسلم و إنما موجبات الرحمة مهمة و اتقاء النار أهم لذلك وسع الله علينا لإدراك مداخل الجنان ثم إتيانها حتى من أبسط الأعمال.
لا تدري لعل الله يطلع على حماسك و همتك فتكون ممن جزيت بما لم تعمل. ألم تسمع قول الله تعالى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا.... كذلك مضت سنة الله في المحسنين كما مضت في المفسدين.
"هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)" سورة الرحمن. فاستبشر يا أيها الرشيد و توكل على الله فيما استطعت و لا تُسَوِّف ففي التسويف تثبيط و عجز و مجلبة للكسل و إعانة على الشيطان، فاستعن بالله و لا تعجز و توكل عليه، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128) .سورة النحل.
في محراب الرجاء
و عحلت إليك رب لترضى.
و رغم الذنوب و كل العيوب
أتيتك رب مسرعا
و لأني علمت أنني إذا أتيتك أمشي أتيتني هرولة.
سبحانك ربي كريم عظيم.
أنا الذي أسألك
اذا غاب الناس
و إذا أتوا غفلت عنك
لضعفي و لجهلي
فعلمني بعلمك
لأوثرك على من سواك يا رب.
فيا حليما بالعباد
و لطيفا فيما أراد
أدم علي سترك
و زيني بالعفو لأعفو
و أشح نفسي و أقودها فيما يُقاد.
نسيت تقصيري
في عز احتياجي إليك
و نسيت شكري
على ما سبق من نعم
و أتيت اطلب بلا استحياء
و كيف لا أطلب
و أنت مالك الملك
كيف لا أطمع
و أنت الله.
يا رحمن الدنيا و الآخرة
و رحيمهما
أنت ترحمني
أزح عني هموما
ملء الجبال أحملها
و أنت رب الجبال
الراسيات أرسيتها.
ها أنا عبدك أتيتك ذليلا منيبا
فلا تردني عن بابك
أليس بحر جودك يروي كل من يرد.
أنا العطشان لرضاك فارضني
و رضني بما ارتضيته لي
حتى يخلص ديني
و الحمد لله ملء السموات و الأرضين
و ما بينهما.
و هي كافية تكفيني.
