و أنا أتصفح مواضيع تطفو على صفحات هاتفي ، ثارني موضوع يتعلق بتربية الأبناء و علاقة ذلك بظهور سلوكيات و تصرفات نرجسية. دخلت و تابعت القراءة ففهمت أن الأمر يتعلق بخطورة بعض التصرفات التي قد يقوم بها الآباء، و التي تساهم في تنشئة أطفال ذوي طباع نرجسية أو حتى يحملون صفات نرجسية. فكيف يمكن أن يكون الوالد و هو الأحرص على إنجاح و تقويم سلوك أبنائه أن يكون هو نفسه المؤذي لهم سواء صدر منه ذلك عن وعي أو عن غير وعي.
![]() |
كيف يساهم الآباء في إنشاء أطفال ذوي اضطرابات نرجسية. |
قبل أن نخوض في الحديث عن هذا، هيا بنا لنعرف باختصار عن السلوك النرجسي:
- يتمثل السلوك النرجسي في كونه عبارة عن مجموعة
من التصرفات الغير سليمة و الغير سوية تصدر من الشخص المصاب نتيجة اضطراب في شخصيته.
يمكن أن نلخص غالبية هذه الأعراض فيما يلي:
أشهر أعراض الإصابة باضطراب الشخصية النرجسية
- شعورالشخص المتضخم بنفسه و بتميزه عن الناس بحيث يراهم دونه في المستوى و الاستحقاق.
- يرى في اعتقاده الخاطئ أنهم ملزمون بإرضائه و جعله محط إعجاب و مركز ا في كل زمان و مكان.
- كما أن السلوك النرجسي أهم ما يتصف به هو العدوانية و عدم التعاطف.
- و لعل السمة الأبرز مما سبق هي اعتماد التلاعب بكل أشكاله للتأثير و السيطرة على الآخرين. كل ذلك حتى يشعر بقيمته.
هذا باختصار فيما يتعلق بالصفات المعروفة لدى الشخصية النرجسية. موضوعنا الأن هو الحديث عن احتمالية تمرير سلوكيات نرجسية من الآباء إلى أبنائهم:
كيف يساهم بعض الآباء في إنشاء أطفال ذووا اضطرابات نرجسية؟
و هذا يقودنا لنطرح السؤال الآتي:
هل حقا أن أسلوب المكافأة المشروطة في
التربية عبارة عن حضانة لتفريخ أطفال نرجسيين؟ و إن كان الأمر كذلك، كيف يمكن معالجته، و ما التصرف الصحيح الواجب
اتخاذه مع الطفل حتى ينشأ في بيئة سليمة؟
يتداول
أن الشخص النرجسي له تعامل مجحف في حق أبنائه إذ يكرس في تعامله معهم للحب المشروط.
و
بناء على ذلك.
هل يمكن أن يكون غالبية الآباء نرجسيين؟
إذا ربطنا الموضوع بثقافتنا السائدة و بالعرف
و التي تربينا عليها، فالمتعارف عليه أن القاعدة الشائعة تقول أن تحسن سلوك الطفل
و إحسانه في قيامه ببعض الواجبات يستوجب
التشجيع و الإشادة، كما أن تفريطه في واجباته، المفترض أنه يستوجب العقاب.
هكذا تعلمنا من في مشوارنا الدراسي، و هكذا ظهرت
أشكال التربية في معظم المؤسسات التعليمية. و لكن، بعد أن طفت ظاهرة النرجسية في السنوات الأخيرة و تم اعتبارها كأشهر أمراض
العصر. ألا يخاف الآباء الذين هم على درجة من الوعي أن يكون لديهم سلوكات نرجسية
دون أن يشعروا بذلك، بل وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا؟
هذا
التساؤل صاحبني منذ أن قرأت على الموضوع، و شوش على ذهني فقررت أن آخذ فيه الوعي الكافي حتى لا أكون سببا
في إفساد شخصيات أبنائي.
لقد أصبحت تبدو لي التربية مهمة أخطر مما كنت أظن، فهي تحتاج :
- لفهم و تفهم و وعي و إدراك أكثر.
- حتى لا يعاد بناء نفس العقد التي نشأت معنا في الطفولة.
- حتى لا نخرج للمجتمع أطفال عالة عوض أن يكونوا شخصيات فعالة و بناءة.
- حتى ينقص عدد المرضى النفسيين من المجتمع، و حتى نزيد في المقابل من بيئات سليمة تنعم بالأمن و السكينة.
فكيف يمكن بناء شخصية سليمة للطفل بحيث تؤهله لتحمل المسؤولية دون جعل تصرفاته شرطا ضروريا لتقديم الحب من عدمه؟
معظم الأخصائيين و المستشارين النفسيين
يتحدثون أن من الأسباب التي تؤدي إلى تضخم النرجسية في مجتمعاتنا هي طريقة تعاملنا
مع أبنائنا و كيف يجب أن نقدم لهم الحب و
نعترف بهم ككيان مستقل دون أن يكونوا امتدادا لنا. أي أن نعترف بنجاحاتهم، و ألا نرى أخطاءهم فادحة لدرجة تسقط تقديرهم في
أعبننا.
كما أن عدم المساواة في توزيع المهام بين
الأخوة بحجج لا أساس لها من الصحة قد يكون عاملا رئيسيا في نمو هذا الاضطراب.
أضف إلى ذلك المقارنات التي تعلي من أقرانهم و تحط منهم مهما فعلوا ما يجعهم يشعرون بالدونية مهما حققوا من مجهودات.
و الجدير بالذكر هنا أنه ليس كل من يقوم بهذه التصرفات يمكن اعتباره شخصا نرجسيا( حتى لا نطلق العبارات هكذا عيثا) و لكنه من يحمل صفات خطيرة من النرجسية تستدعي التدخل العاجل و المعالجة وعدم الاستهانة بها، لأن التنقيص من شأنها قد يؤدي إلى التطبع معها فتصبح أسلوب حياة وهنا يكمن الخطر.
و
لكن، ألم نتعلم نحن في صغرنا أن إحساننا يستوجب المدح و الإشادة، كما الإخفاق
المتكرر و المتعمد يستوجب العقاب؟
أو
ليس حتى الخطاب الديني و النص القرآني مبني في مجمله على ذلك، إذ يعتمد على أسلوب الترغيب و الترهيب؟ فكيف يمكن أن تعتبر
هذه الوسيلة غير صالحة بل هي عبارة عن مشروع لتكريس الحب المشروط بين الوالدين و
أبنائهم؟
كيف تساهم في حماية أبنائك من السلوك النرجسي؟
حتى لا تساهم فى تضخيم النرجسية في سلوك أبنائك. يمكنك اتباع ما يلي:- لا تؤجل فض النزاعات بين أبنائك و كن مواكبا لهم.
- ثقف نفسك من خلال تطلعك على كتب تبين الطرق المناسبة في التربية لإنشاء أطفال أسوياء.
- اشترك في دورات تهتم بنفس المجال.
- انتق ما شئت من الأثر ما ثبتت فعاليته في تبنيه سلوكيا مع الأطفال و خير ما قد تجد في ذلك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم و كيف كان يتعامل مع الأطفال و الأهمية و الأولوية التي كان يضعهم فيها.
- اصطداماتك مع أبنائك تستدعي التوقف للتحليل و المعالجة عوض الهروب و إلقاء اللوم على أحد الأطراف.
- اعلم أن التربية مشروع استثماري و ليس طبخة سريعة وجاهزة.
- احتسب ما تفعله اجتهادا لك وجهادا في سبيل الله و اجعل مسيرتك في تربية ابنائك رحلة نمو وتعلم.
- لا بد من التقبل و توقع مختلف الإشكالات التي قد يمر بها أطفالنا مراعاة لظروفهم الحالية و الخارجية التي يتأثرون بها.
- زمن طفولتك ليس هو زمن اطفالك فتعلم المرونة و اجعل الوعي سلاحا لك لتكون مصلحا.
- لا تنس فضل الأثر الذي ستتركه في هذا العالم بعد أن ترحل، فتهيئة طفل اليوم هو بمثابة رجل الغد وهو الركيزة المعول عليه في قيادة من يليه من أبناء جيله.
حتى تستحق شرف الأبوة الناجحة و التأثير:
- كن لأبنائك مستمعا جيدا و تحلى بالصبر في رحلة الأبوة.
- لا شيء سهل الإنجاز، فحاول الاهتمام بما لا يظهره ابنك لك و ما لا يقوله لك، فالعناية بالداخل أولى من الظاهر، و إن استقامت عقلية ابنك و طريقة تفكيره، كان من السهل إدماجها في تحديات الحياة.
- أنت لست مطالبا لتكون كاملا و لكن محاولتك و تفاعلك في إدارة شؤون أبنائك يزيد من ثقتهم بك و اعتزازهم بك.
- تعلمهم من خلالك بالنموذج و اكتسابهم لأمور جيدة أفضل من ألف دروس أو أوامر تلقيها على مسامعهم.