عابر في ممر هذه الحياة، و الممرات كثير، بعضها مزين وهاج، و البعض مكسور لا حيلة لأصحابه، و بعضها صاخب ضارب يخترق الزجاج.
![]() |
عابر في هذه الحياة |
-عابر في هذه الحياة
من هذه المحطة، مرت أرواح، مئات، آلاف، ملايين ، ملايير... من نفس الرواق، و نفس الزقاق، تنتشي سويعة و تبتئس لساعات... لكن، لا أحد منهم مكث فوق المعتاد، مهما غرّت من زخرف بضائعها و مهما اغتر المساكين عشاقها، لم يظفر أحد بأحد، و لا بقي على الممر أحد ، مضوا من حيث نمضي جميعا.
كلمات، قالها عابر، في الألفية الثالثة، لما رأى لِما وصلته الحضارة المادية من وسائل ترفيه العيش بل تَرَفِه و إسفاهِه، لمّا طغى المال على حسِّ القلوب، و استغشت القسوة في القلوب، ظهر جبل البغي يقود العالم إلى حتفه المهين.
لمّا عاد فرعون ينادي في البلاد، أن هذه الأرض لي و الأنهار، و لي عليها سطوة و عتاد، فلا صوت يعلو فوق صوتي، و لا يرى أحد مثلي في العباد، استُضعِفت الحرائر و غرر بها و اجتثت براعم من أطفال بلا ذنب و لا سبب.
و هتف من بقي منهم على الفطرة السليمة، أن هذه الحياة بهيمة، يجب إعادة النظر في الأسس و القيمة، لكن، لم يسمعوهم، لم يفهموهم، فألقوا بهم في نار باردة حميمة، كي لا ينتبه لهم أحد، و يستمروا في ضلالاتهم القديمة، فكاد أن يصمت الجميع من العجز و القسمة الأليمة،
- تدبر في الآي المنظور و المسطور
فصاح أحدهم : هل هذا عدل، فأين الله، أين الرحيم، أليس الله بما يحدث عليم، ثم جلس و صمت، و مر به عابر آخر في نفس الزقاق، يردد كلمات و جمل ليست مما عُرِف، و ليست من الشعر أو النثر أو ما تعارف من الأذواق ، لكنها حتما تخترق الأعماق،
"سنريهم آياتنا في الآفاق،سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (53)فصلت، خرَّ العابر الجليس على ركبتيه، و نزلت دمعتين من مقلتيه، كأن الرسالة أتت قاصدة إليه، كأن الله سمع حديثه و أزال الغشاوة عن بصيرته،
و استدرك أن ها هنا أتت موعظته، و دوره، و رسالته، فأمعن في الآيات القرآنية و قال عجب، ما كنت لأدري ما وراء هذا الجنون، ما وراء هذا الصخب، ما كنت أدري لم هذا العبث، أيحكم في الدنيا العبث، و أبَت، أَبَت سجيّته أن تمضي مرة أخرى في العبث، لمّا أيقن أنها آيات أتت من عند الله أتت، للتدبر أتت، و لحكمة أتت و صدعت بالحق و أخفضت و رفعت.
فأين العبث هنا.، أليست هي دنيا فانية و محطة دنية لا راحة فيها بل تعب و نصب، أوليست بضدها تعرف الأشياء.
أما إنها ليست بمقر و لا مُستقر. و إنما هي الجميلة الذميمة، الغرورة، المُشقية، فطالبها محروم و قائدها مهزوم و إننا فيها لَكل راحلون.
و إنما هي عين الله ترى ما نحن فيها صانعون، هل نحن فيها طائعون أم عاصون أم لاهون، فنُبتلى على قدر إيماننا ثم نعود لدار أخرى لا ظلم فيها و لا اعوجاج، و لا حاجة فيها للتدبر أو الذكرى.
قبيل الأفول
قبيل الغروب، ستغرب أمام عينيك شموس ما ظننت لها غروب، لترتمي أيامك على سنام الأجل. و قبل أن تعانق الموت ستكون قد تعرفت على شيء من طعمه من خلال نوائب قدرك حتى تستعد له و حتى تعلم أن ليس فيه مزاح.
لا تستعجل الموت و لا ترهق نفسك بالتفكير فيه، لأنه لا ينساك، فقط اجعله واعظا عندما تقبل على أمر أو تدبر عنه . سرعان ما ستنسى ما خلفت ورائك فاحلم قيد عافيتك إن السقم يذهب وميض الفرح و الحلم.
نحن نهرب من الموت، كل يوم، كل منا بطريقته، بينما نهرول إليها في صخب أو في صمت. لكن الوجهة تظل ثابتة المسافة و الزمن، لا تتغير، فقط يتغير طعم الشعور ما دمنا لم نصل إلى المحطة الأخيرة. لسنا شجعان بما يكفي لنواجه الحياة و الموت معا، لكننا نحاول دائما أن نعيش بموتنا أو نموت و نحن أحياء.