في كل سنة و في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، يتكرر الجدل حول شرعية الاحتفال بيوم المولد النبوي الشريف. بين من يراها بدعة حسنة و احتفالا بمجيء خير البرية و السراج المنير محمد صلى الله عليه وسلم، و بين من يرى أنها لا تمت بصلة لما كان عليه أهل السنة والجماعة بحيث لم يثبت أن احتفلوا به.
![]() |
المولد النبوي بين جدلية الاحتفال و الابتداع و إسقاطه على الأحداث الجارية.مقالة. |
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف :المغزى الحقيقي منه
سنحاول أن نحسم الجدل بأن نستحضر المغزى الحقيقي و المرجو من استحضار هذه الذكرى العظيمة و هي أن نكون على شجاعة بالقدر الكافي لنزن منهجنا الحالي على ميزان عهد النبوة وما كان عليه الصحابة.
✅ الاحتفال بالمولد النبوي يستوجب اتباع النبي
قبل أن نكثر الحديث و نقف كثيرا في موضوع الاحتفال، هل حققنا اتباع سنته و نهجنا طريقه؟! و ذلك بأن عظمنا ما كان يعظمه،
و إن من أعظم ما كان يوصي به و يحث عليه صلى الله عليه وسلم هو التأكيد على الأخوة في الدين و كيف أن المؤمنين هم الذين يشد بعضهم بعضا و أنهم كالبنيان المرصوص و أن دمائهم و أعراضهم و اموالهم عليهم حرام عليهم و أن التناصح شرط لصحة الإسلام و أن الاستنصار لأهل الحق و الحاجة شيئان لا يصح تمام إيمان المرء إلا بهما.
فهل نحن حققنا من كل هذا شيء، أو حتى قدرا و لو يسيرا يجعلنا نفخر حقا أننا من أتباعه و على طريقه. إن أول شيء يستوجب تحقيقه لإثبات انتسابنا له هو الوقوف مع الحق و أهل الحق الذي جاء به و دعا إليه و جاهد لأجله حتى أتاه اليقين.
فما بالنا نغض الطرف عن أساسيات دين محمد صلى الله عليه وسلم و نلتفت لما لن يحقق تغييرا حقيقيا في واقعنا. منذ سنتين و لنا إخوة في الدين يعانون على مرأى كل العالم و لم نظهر بعد ما يشفع لنا عند ربنا مما يرضي ربنا به عنا من حقيقة الحب و الولاء و النصرة.
و حتى و إن قدم بعضنا فهو غير كاف إذا نظرنا إلى ما يستلزم من أمة المليارين. فرضا لو أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان معنا في هذا الوقت بالذات و عايش معنا الأحداث، مالذي كان سيغضبه أشد الغضب و يحزنه أشد الحزن، هل هو خذلان أناس أحوج ما يكونون إلينا في هذا الصمت المجتمِع أم اختلافات بإحياء الاحتفال بمولده مع أننا لا نستهين بالمخالفة لسنته، و لكن من الضروري أن نتحدث عن الأولويات و الواقع الحالي الذي نعيشه.
✅ الأحداث الجارية هي معيار و اختبار لإثبات انتمائك للنبي صلى الله عليه وسلم
هذه مناسبة الأجدر أن تجمعنا على التوبة مما فرطنا فيه فلا أعز إلى الله من مؤمن و إن استحلال دمه بغير وجه حق لمن أشد ما يغضب الله تعالى. هي مناسبة لنعود لرشدنا و نتعلم فقه الأولويات في الزمان والمكان حتى نكون فعلا ربانيين و نستحق شرف الانتماء لنبينا صلى الله عليه وسلم. أوليس خير الناس أنفعهم للناس.
هي رسالة استعجالية ليتحرك كل منا حسب ما يمليه عليه دينه و حسب قدرته و استطاعته ليدحض الظلم عن إخوته و يدافع عنهم و يحث على إغاثتهم و نصرتهم لأن و الله صمتنا لن يزيدنا من الله إلا بعدا، فكيف بنا إن سلمنا جميعا للعجز و أقنعنا أنفسنا أنه لا حول لنا.
حتى الكلمة يجب ألا نستصغر شأنها. و لنتذكر أن الظلم ظلمات، فليس الظالم فقط من يقوم بالفعل، بل حتى ذاك الذي لم يستنكره. فاللهم ارفع عنا الذلة و الهوان و ردنا إليك ردا جميلا حتى لا نخاف فيك لومة لائم.
و سأختم حديثي بومضات من قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم و هو يوصي بالمسلمين بعضهم ببعض.
أحاديث نبوية عن مكانة المسلم و حقه على أخيه المسلم
* ما من امرئٍ مُسلمٍ يخذُلُ امرأً مسلمًا في موضعٍ تُنتَهكُ فيه حرمتُه، ويُنتقَصُ فيه من عِرضِه إلَّا خذله اللهُ في موطنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَه وما من امرئٍ مُسلمٍ ينصُرُ مسلمًا في موضعٍ يُنتَقصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمتِه إلَّا نصره اللهُ في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرتَه.(مسند الامام احمد).
* مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى) حديث صحيح.
* ليس المؤمن الذي يشبعُ وجارُه جائع)حديث صحيح
* المسلمون يدٌ على مَنْ سواهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقصاهم. حديث صحيح.
* انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يديه» وفي رواية «تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره» حديث صحيح.
- ولما قتل سبعون رجلا من خيرة أصحابه في بئر معونة كانوا يسمون القراء حزن حزنا شديدا، وقنت على من غدر بهم في صلاته شهرا. فظل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهرا يقنت في صلاة الفجر، داعيا على قبائل سليم التي عصت الله ورسوله وقامت بالغدر وقتل أصحابه .
وذكر ابن سعد عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: " ما رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجد(حزن) على أحد، ما وجد على أصحاب بئر معونة، ومكث يدعو عليهم ثلاثين صباحا " .