قصة قصيرة يوم مختلف
أحد المارة، اصطدم بها هو في طريقه، و عوض أن يعتذر لها شتمها و سبَّ الصباح و مضى... لم تستوعب كلامه و لا تصرفه. كاد مزاجها أن يتغير لولا أن رنّ هاتفها مذكرا إياها بأن تحافظ على رباطة جأشها و تحافظ على ابتسامتها. آخر جملة حملتها في ذهنها ليست كل المعارك مهمة...
مرت على الصيدلية كي تشتري بعض الأدوية. وجدت البعض، و البعض الآخر، قيل لها أن تعود لأخذها لاحقا.
و صلت إلى منزلها، تدخل الباب و هي تسلم، خلعت نعليها و استلقت على الفراش، آه، ما أجمل أن تجد فراشا مريحا تستلقي عليه بعد التعب. تستشعر النعمة( التي يزدريها الكثيرون).
فتحت شرفة الغرفة، رائحة الطعام يحترق صاعدة من مطبخ أحد الجيران. أعادت إغلاق النافذة. و أغلقت باحة الضغط في ذهنها. فتحت شاشة التلفاز على سبيل الاستئناس لا لتسمع أو تشاهد شيئا محددا. هذا ما اعتادت أن تفعله كأنها هكذا تشعر بنوع من الأنس. اقترب موعد ذهابها لجلب الدواء. بعدها بقليل، ذهبت للصيدلية و أثناء عودتها، التقت بجارة لها تقطن قريبا من منزلها، يحكون عنها سكان الحي أنها فضولية لأقصى حد،
سلمت عليها، لكنها لم تسمح لها بالمغادرة إلا بعد أن ألقت عليها أسئلة عديدة كانت تؤرقها فكانت تلك أفضل مناسبة لتحررها. قالت لها : لم أراك منذ مدة، على ما يبدو أنك أصبحت منشغلة أكثر، أعانك الله.
وجهك يبدو شاحبا، هل أنت مريضة؟ متى مرضت؟ لم تخبرينا. كنا لنأتي و نطمئن عليك، لم تدع لها فرصة للإجابة حتى أضافت: كم أخذت هذا الدواء،؟ لا بد أن يكون باهظ الثمن فبعد الإضرابات الأخيرة التي اتخذها مجمل الصيادلة.... و فجأة رنّ هاتفها مجددا، اعتذرت منها مسرعة و ذهبت و كان الهاتف المخلص لها من كل تلك الثرثرة.
عادت إلى بيتها تضحك و تتعجب في قرارة نفسها و تقول: لله في خلقه شؤون. الحمدلله الذي عافانا. دفعت الباب بقوة و نظرت إلى الساعة. و قالت: إن استمريت على هذا الحال سأربح الكثير و سأوفر على نفسي الكثير من التفكير.
كان الوقت قد حان لأخذها حصتها اليومية من الكورس التنموي الذي انضمت له يوم قررت أن تعيش بشكل مختلف. أصبحت تنتظره بفارغ الصبر و هي تحتسي كوب الكابتشينو الدافئ .
قصة قصيرة قلب سليم
- كم هو جميل أن يكون بداخل كل منا إنسان يشعر بأخيه الإنسان، في حالة العسرة و الحاجة. أقدارنا متفاوتة اختبارا لنا حتى يتخذ بعضنا بعضا سخريا، فما حاجة الأشياء إن كنا لا نتقاسمها، و ما طعم السعادة و نحن وسط من يستوحشها.
![]() |
قصة قصيرة قلب سليم |
لم يعرف عنها يوما أنها انشغلت بما في يد صديقاتها من الدمى بل كانت تنادي عليهن لتشاركنها اللعب. و كانت تتجنب سماع الهموم مرحة على العموم كغيرها من الفتيات.
رممها المرض و صقلتها الشمس و جددت بشرتها أمطار الشتاء. لكن الدموع التي كانت تسكبها أحيانا كانت تداويها أكثر مما تؤذيها. لقد وجدت في ذلك راحتها. لم تحمل حسدا و لا ضغينة لأحد إذا ما سمعت بنعم تنعم فيها ، بل كانت تسعد و تخالف هواها و تقول طوبى له و العقبى لي حتى صارت تسعد لسماع ذلك عن غيرها ما جعلها محبوبة عند الجميع.
- توالت أيامها و تقدم سنها و بدت الشحوب و تقسيمات الشيخوخة على وجهها و تغير شكلها كما يتغير كل من يخضع لسنة الحياة، و هي مع ذلك لا تزال تشع حيوية و فتوة في روحها، و لو كان الزمن يسعفها لوزعت طاقتها على أحفادها ليسلكوا مسلكها.
انحنى ظهرها و احدودب معلنا بوادر الأفول لكنها ما تزال تواقة للحياة في فكرها الندي و تجاربها المحنكة.
سألتها إحدى النساء يوما عن سر نظارتها و اعتزازها بنفسها لهاته الدرجة. قالت في هدوء : عادية أنا مثلكن غير أني لم أذكر أني قلت لذو نعمة رأيتها عليه لم له و ليس لي.
ثم أعقبت على كلامها وقالت: لعل أيامنا باتت تهرب منا شيئا فشيئا و نحن لا ندري، و إن كان الأمر كذلك فإنه لمن الحماقة أن نستمر في أكل هم هاته الدنيا و نستمر في مؤاخذة بعضنا البعض و شحن القلوب بالصغائن و المحاسبات.
أليس حري بنا أن نستغل كل لحظة لحظة و نكون فيها ممن يزرعون البسمة و يغفرون الزلة لأجل أنفسنا، نعم، فنفوسنا تحتاج للسماح و العفو حتى لا نهرم مبكرا.
- ليس حقيقي أن المحزونون لا يليق بهم الفرح أو إهداء الود، فمعظم العظماء كانوا يعانون مختلف المعاناة و مع ذلك لم تمنعهم معاناتهم من أن يضيئوا لغيرهم الشمع ما داموا يرون أن في السعي إلى إدخال السرور على الغير خير كثير ينعكس عليهم بالدرجة الأولى قبل أن يمتد أثره إلى الآخرين.
فلنغير تفكيرنا لتتغير حياتنا.
اعتراف بعد فوات الأوان
- أسمته عوض، بعد عشر سنوات من الحرمان، و من الاختلاف الى طبيب و طبيب، و عيادة و أخرى، ها هي رحمة الله تشملها فترزق بمولود ذكر.
فرحت به أشد الفرح. حين وضعته كان عمرها قد جاوز السادسة و الأربعون، فعكفت عليه مرضعة صائنة محتضنة مدللة حتى إذا بلغ أشده، بلغ العناد فيه ذروته، و بدأ يستأنس بحاله و رفاقه أكثر مما يكون مع أمه مما خلق لها فراغا كبيرا بعدما ملأه سنين طويلة.
- أبوه افترق عن أمه بعد خمس سنوات من ازدياده. كان أبوه يشتكي من إهمال زوجته له على حساب ابنه، حتى أنه في أحد الأيام، كان مريضا و كان في أشد الحاجة لاعتناء زوجته به، لكنها من شدة تعلقها بطفلها لم تنتبه لتقصيرها في ذلك.
بعد تماثله للشفاء، لاحظ أن علاقته معها زادت جفاء و بعدا، فصار يشعر بعدم جدوى وجوده في حياتها فقرر بعد تفكير عميق أن ينفصل عنها. رحل إلى ديار المهجر ليبني حياة جديدة هناك.
كان الطلاق بالنسبة لها كأنه هدية أخرى لتغدق بالمزيد من الحب و العطف على ابنها. توالت الأيام، فبدأت قوتها في التراجع، فيم كان عوض ابنها في أوج قوته و شبابه. لكنه لم يكن يجد لها وقتا ليسأل عنها، أو حتى ليعلم إن كانت تحتاجه أو تشتاق له.
- بقي معجبا بنفسه و شبابه و استغنى برفاقه عن بيته و عن من ربته غافلا لاهيا ينهل من شقاوة العمر و لا يبقي من اللهو شيئا. كانت أمه قد ذبلت ضحكتها و عُلِّم على خديها بخطين سوداو ين من شدة البكاء.
- نخر الحزن ما بداخلها فأطفأ بهاءها بعد رحيل من كانت تعتبره شعلة بيتها. ساءت حالتها يوما بعد يوم حتى لازمت الفراش و لم تعد تقوى على القيام و ممارسة أدنى أعمالها المنزلية.
- شارف فصل الصيف على الرحيل، و أنهى عوض رحلاته المجنونة مع رفاقه. عاد لمنزله. ليستمتع برؤية الصور و الفيديو هات التذكارية التي أخذها هناك.
- عاد ففتح الباب فوجد المنزل مظلما تفوح منه رائحة الموت. تسمر في مكانه بعدما وجد جثة والدته مطروحة على الأرض و بيدها صورته تحتضنها حين كان صغيرا . دارت به الدنيا في لحظة، و اكتشف أنه كان ناكرا للجميل و أنه كان قاسيا جدا معها. رحلت أمه و تركت فيه غصة الحسرة لو كانت تعود أو لو كان يُدرك... لكن هيهات هيهات.