إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا. سورة مريم. الآية 96
![]() |
وقفات و مواقف (مقالة) |
وقفات تودد
_ و الود أنواع، فبعد أن أنعم الله عليك بالإيمان اهتديت، و بكمال فضله اهتداؤك له بوجوده معك في الغيب و الشهادة إذ تستحيي أن تعصيه في ظروف أسهل ما يكون عليك لذلك فالترابط واضح و جلي في كلتا الحالتين. أو تظن ينساها الله لك لا والله و حاشاه، فإن كان من أخلف عهد الله قد أعقبه نفاقا في قلبه، فالذي صدق عهد الله و وعده كذلك نال حسن الجزاء فأعقبه لطفا خفيا عظيما.
_ و لطفه يبدأ بوده لك إذ يحب منك تقواك له و خشيتك فينادي جبريل و يخبره و يخبر ملائكته أني أحب عبدي فأحبوه، فيحبك الملائكة فيبسط لك القبول في الأرض . فلا تستعجب و لا تستغرب إذا رأيت أناسا على محياهم نور قُذِف كان مصدره طاعة و قربات في الخلوات فأورثت مع الصبر و الثبات سكينة تملأ القلوب و تجلي الذنوب.
فإذا خلص الباطن سطع الظاهر و تهلل، فشتان ما بين الود و الود. فود المتقين له حلاوة لا تنقضي إلا بمعصية أو استخفاف بمعية الله. أما ود البشر فبين مصلحة و مصلحة. ثم إن الود من الله يضفي على صاحبه الستر فلا يدري كيف يُحفَظ في كنف الإله و كم مكيدة كيدت له لم يرها بقلبه و لا بعينه و لم يحسب لها حساب تولاها ربه المستعان.
_ حري بك أيها القارئ للقرآن الدارس له أن تكون متدبرا متفكرا في آياته، فماذا إن كنت معايشا لمثل هذه الوقفات و السكنات و الرحمات. وهذه من إحدى ثمرات الإيمان بالله و بالغيب و بأن الله حق و وعده حق. فاللهم اجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات و اجعل لنا من لدنك ودا.
أشياء لا تقبل الرمادية
هل يمكن للمرء أن يكون رماديا دائما، بمعنى أن يتخذ موقفا في الوسط. هل يمكن أن يطمئن لنزعتي الخير و الشر في نفس الوقت. و مع ذلك يكون إنسانا طبيعيا.
لا شك إن حدث هذا فهو علامة من علامات بداية اضطراب في شخصيته. فالطبيعي و البديهي أن الذي يطمئن لنزعة الخير فهذا صلاحه هو الغالب.و الذي يطمئن للجانب الشرير فيه فهو ألف الشر و اعتاد عليه حتى صار لا يشكل له أدنى حرج أو تأنيب ضمير. و هذا لا ينفي أن قانون الحياة أصلا قد قام على الصراع بينهما و جعل الإنسان محل الاختبار لينال ما كسب عن بينة.
* مواقف تصنعك
فليس الذي اختار أن يكون خيريا قد وجد الخير سهلا و لا أن الذي اختار الشر لأن الخير كان أصعب عليه. و إنما في الحقيقة هي مسألة يقين. و إيمان بالمسلمات و بحتمية النهايات و المجازاة و توفيق الله أولا و آخرا.
و على قدر الاعتبار لها يكون الوعي حاضرا فيؤثر العاقل معاناته الحاضرة رجاء في راحة لاحقة. و إلا فما الذي يحمل الإنسان على تحمل المشقة و هو لا يجد فيها أدنى متعة.
* للوسطية استثناء
_ ينضج الإنسان على قدر تجاربه. و ينال الدرجات على قدر صعوبة اختباراته، و التحدي الذي يلزمه هو تلك الضريبة من حجم الاختبار التي ترتفع قيمة و درجة كلما نجح في اختبار ما. فإن رسب عادت به عجلة الحياة ليذوق الفشل ليس انتقاما له كما قد يرى بعض الحمقى، و إنما هي محطة ليدرك من خلالها الثغرات التي أوقعته. ليدرسها و يؤمن بواقعية و منطقية نتيجته،
و ما الوقت الذي يأخذه في ذلك إلا وسيلة مرحلية لاستخلاص الدرس. فالذي يوقن بوجود إله يمشي في أرضه و تحت سيطرته لن يغفل أن يعلم أن الله يربيه لا يحرمه مقتا و لا إقالة. لذلك على المسلم أن يكون ربانيا في اختبارات الله له سواء نجح أو أخفق فيها. و ذلك بأن يخضعها لمعيار الصواب.
و الصواب المقصود هو ما فطر الله الناس عليه من قوانين و قيم و خطوط حمراء يعلم يقينا بحرمة تجاوزها إشفاقا عليه مما قد يترتب عليها من انتكاسات ثم انعكاسات.
_ انتكاسات و انعكاسات تشمل باطنه و تتجلى حتى في سلوكياته لأن تصرفه ذاك كان عكس القانون الإلهي فلا بد أن يتأثر في دوامته النفسية و السلوكية و إن لم يعالج الأمر يضطر للمكابرة بطرق شتى كأن يخضع نفسه لما شابهه من الخلائق فيخفف عنه عبء الذنب حتى يستطيع أن يستمر في العيش.
و هناك من يحاول جاهدا مداراة ذلك بتحسين صورته الخارجية أو أن يشغل نفسه ببدائل تنسيه ما اقترف. لكنه ينسى أن النكثة قد وقعت و إهمال تطهيرها هو أكبر الاخطاء التي قد يرتكبها. فالران عبارة عن تراكمات تمت الاستهانة بها أو تأجيل معالجتها نظرا لجهل الإنسان بربه و عظم مقامه. و جهلا كذلك بنفسه و بمكامن الضعف لديه التي تسقطه حيث يجب أن يرتفع.
خلاصة القول أن الوسطية لا تكون في أمور تقتضي من المسلم أن يوطن نفسه و يكون مسؤولا عنها أهلا لإنسانيته التي اختارها الله له فلا يخوض مع الخائضين. و إساءته و إحسانه من قدرية الله عليه يجب التعامل معها و الانتباه لها و ليس إهمالها و اعتبارها في مقام واحد في الاختيار.