نعيش زمانا لا يشبهنا أو ربما نحن لا نشبهه. لقد نجحت مختلف التيارات أن تحيد بالمرأة عن نهج السوية، و شطرتها نصفين بين المغالاة و المناداة بالنسوية، و بين الاستسلام و الاستكانة وأخذ دور الضحية. فصارت الأنثى لها مفهوم غريب مريب، حيث كل يدلي فيه برأيه بعلم أو بدونه، و هناك من يجده موضوعا شهيا طريا لكسر روتين الحياة، و العزف على أوتار الفتاة ليستفز ما تبقى فيها من ثبات و صرامة.
![]() |
عذرا أختي الأنثى. مقالة. |
ارتأيت من خلال هذه المقالة أن أسلط الضوء على أصل الداء و الفكر الدخيل الذي نجح و مع شديد الأسف في تغيير الأنثى نظرتها نحو نفسها و نحو المجتمع الذي هي نصفه شاءت أم أبت.
لطالما كنت أسمع منذ نعومة أظافري أننا نعيش في مجتمع ذكوري، و لم أكن أفهم ما المقصود بذلك بالضبط. هل في العدد، أم في التسلط و المدد، أم في هيمنة الفكر و الرأي.
الآن و بعد مشواري في الحياة، لم أعد أؤمن بهذه المقولة. فبعد الخوض في مختلف تجارب الحياة، و بعد بلوغ مرحلة من الوعي و الإدراك، سأحاول أن أشرح وجهة نظري.
عذرا أختي الأنثى
- يجب أن تعلمي أن ليس هناك مجتمعا ذكوريا و لكن، هناك بنات مستضعفات تتخلين عن حقهن في الاستحقاق و التقدير و التعبير...ليس كل رجل قاس ولكن، هناك امرأة ذات حساسية زائدة و نظرة مثالية...ليس كل رجل أناني و إنما، هناك امرأة تأتي على نفسها و تستكين لأنها في اعتقادها ذاك السبيل الوحيد لتشعر بوجودها و ليتقبلها الآخرون.
- بعض النساء سامحهن الله هن اللاتي صنعن مشاريع الرجال، فأخطأن في التربية و التوجيه. هن اللاتي تنازلن عن حقهن في التوافق مع الرجل و جعلن له الأحقية و القيمية اللا مشروطة و بلا أسباب...
في حين أن رب العباد ساوى بين العباد في الثواب و العقاب و أعطى لكل ذي حق حقه ليتلاءم الاثنان و ينسجمان فلا فضل لأحد على احد، إلا بما اتقى و أطاع مولاه و عبد.
المرأة من المنظور الإسلامي
- و إذا تحدثنا من مرجعية دينية، نجد أن مكانة المرأة حقا سامية. فقد أحسن تكريمها و جعلها ذات رفعة و عزة حيث ذكرها الله تعالى في كتابه حيث قال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . سورة التوبة. فالولاء في الدين كان أبلغ و أهم من أي قرابة أو رابطة أخرى.
إذا تإملنا حال المرأة زمن النبي صلى الله عليه وسلم و زمن الصحابة نجد أن دور المرأة كان بارزا في مختلف الميادين و أمور الأمة المصيرية، بل كان لها دور في نصرة هذا الدين في عدة وقفات و مواقف.
و من ذلك نذكر على سبيل المثال، أمنا عائشة رضي الله عنها التي كانت فقيهة و راوية للحديث و كان لها علم باللغة و الأنساب و الشعر. و قد أخذ عنها العلم العديد من الصحابة كما أخذت عنها من النساء الكثير من العلم، كمعمرة بنت عبد الرحمن، و هي من رواة الكتب الستة. كما ثبت عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها أنها كانت تغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فتسقي القوم و تخدمهم ، و ترد الجرحى و القتلى إلى المدينة.
و لا ننسى الصحابية الجليلة أم عطية الأنصارية التي خرجت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في سبع غزوات. كانت تصنع الطعام و تقوم على المرضى.و لا بد أن نشيد بأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في نصرة الإسلام لما شقت نطاقها و ربطته بالجراب أثناء الهجرة.
- لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستثني النساء من دعوته، فلطالما كان يعد لهن مجمعا يعلمهن فيه أمور الدين و يأمرهم بالبر و الصدقات. فأين نحن من كل هذا.
- إن الحديث عن دور المرأة و إبراز دورها في إعداد الأمة لا يغفل عن كيفية و ضوابط فعل ذلك . و لكن الفكر العقيم الذي لم يعد يستساغ هو أن تدعو هذه المرأة للحياء و االحشمة و الحجاب و هذا شيء جميل.
و لكن تغفل عن تغذية عقلها و تعلمها الذي لو مكنتها منه و هيأت لها أسبابه لأغنتك عن تلك الأوامر و النواهي لأنها ستكون واعية بما تعتقده و ما يتطلبه التزامها تجاه ربها.
- إن الإسلام لم يتغير، و لكن الواقع تغير كثيرا، و هذا لا يعني أن نغير الإسلام، بل أن ننشئ هذه المرأة تنشئة متكاملة حتى تنجح في خوض تحديات هذه الحياة. إن المرأة التي كانت لا تعمل مع إباحة ذلك في عهد الصحابة، كانت في كنف رجال صالحين يعرفون حق الله فيها و ما لهم و ما عليهم.
أما الآن فالذي يعارض تعلم المرأة و تقلدها مناصب مهمة و بارزة تتناسب مع تكوينها لا يعدو أن يكون حسودا حقودا أو جهولا لأنه لم يفهم مراد الله و سنة رسوله منه.
فما معنى أن تخوض هذه المرأة في تجربة زواج و ينتهي بها المطاف أن تظل تحت رحمة رجل لا يحمل من الكلمة إلا شعارات، في حين يستغل القوامة للسيطرة و ممارسة مختلف عقده عليها، فما أعجبه يسمح به و ما لم يعجبهم ينسب شرعيته من عدمها إلى الدين. حتى إذا ما قررت هذه المرأة أن تنجو بنفسها و تخرج من هذه التجربة الفاشلة تجد نفسها مكبلة لعدم قدرتها على الاستقلال المادي بذاتها أو البقاء تحت رحمة هذا الرجل الظالم .
هذا نموذج حقيقي متكرر في مجتمعاتنا فلا داعي لينكره أحد. و أنا هنا لا أشجع على الإستقلالية أو أحرض طرفا ضد أخر، و لكن انعدام المسؤولية و التقدير من قبل بعض أشباه الرجال أنتج لنا خلايا أسرية هشة منكسرة مستضعفة، لا تقوى حتى على المقاومة فكيف أن تنجح في إعداد جيل سوي يعتمد عليه و تعلق عليه الآمال.
كلنا له حظ من المسؤولية في تغيير هذا الوضع و الرقي بالمرأة باعتبارها أما وابنة و أختا و عمة و خالة. و قبل كل هذا أختا حقيقية في الإسلام تستوجب منا العناية و الاهتمام و التناصح لا التحكم و الاستغلال.
و أنت أيتها الأنثى الرقيقة، لك مني همسات.. خذيها على سبيل التأمل و التفكر، لعلك تجدين فيها ما يوافق حقيقتك فتنتفعي بها و ننتفع جميعا لأننا على متن سفينة واحدة.
لا تكوني ضحية
- اعلمي أن لك جزءا كبيرا من المسؤولية في سيطرة هذا الرجل عليك التي تدعين . و في استقوائه عليك بما كنت إياه صغيرا توهمين، و أنت التي قلت له أن ذكوريتك كافية لتكون سيدا بلا منازع و لتعمل لك كل البنات الف حساب.
و أنت التي زرعوا فيك بطريقة أو او بأخرى أنك ملزمة بالتقديم و العطاء إن شئت أن تكوني محبوبة أو حتى تُمْدَحين، فكنت بكل ترحيب خاضعة ، ضاربة عرض الحائط أوامر ربك و نعمائه في تفضيلك بالعناية و الاهتمام و الرعاية.
و صرت تبحثين مثلما أقنعوك ان يكون همك الوحيد و شغلك الشاغل رجلا به تُعجَبين، فإذا ما استحسنك صرت له من الولهين، و إياه صباحا مساء تطاردين، حتى صار الرجل بمثابة عجلا ذهبيا تكادين إياه أن تعبدين، حتى يرضى عنك فلا يتخلى عنك أو تفتقرين.
أين العقل فيك قبل العاطفة و الإحساس و الكبرياء يا ترى أين فُقِد و كاد أن ينعدم منذ سنين.
ماذا ينقصك لتشعرين، أنك سيدة باعتراف و بدون اعتراف، و أنك ذات قيمة إن كنت لها تدركين. متى تستيقظين و تعيدين التوازن لهذا المجتمع الذي بات معقدا ينزف من الاختلالات و شدة الأنين.
- تعرفي على نفسك كيف أنت و من أنت و هل أنت ناقصة حتى تحتاجين لمن يعترف بك، أو حتى تقوم لك قائمة فتشاركين، في نهوض أمتك و تكونين من الفاعلين.
لا تصدقي كل ما ترينه على الشاشات و أنك مجرد وسيلة دورها ان تسعد الآخرين. فكيف تُسعِدين من حولك إن كنت للسعادة تفتقدين. عزيزة أنت إن عرفت ذلك أم لا تعرفين. فالمرأة التي أنجبت رسلا و صالحين، تعرف قيمتها و تستمدها من ربها الذي هداها و هو الذي ينعم عليها بمن يحبها و يحميها إن كانت حقا تفهم و تعي الأنوثة و الحياء، و أن الفاعلية جزء لا يتجزء من تكوينها على مر السنين.
هل تعلمين ما أنت تحتاجين؟!
أنت تحتاجين لتتعرفي على نفسك أكثر و حينها تدركين;
- أن الأنوثة هي إيمان و استحقاق و يقين. و أن الانوثة رسالة و همزة وصل بين الأجيال لا وقت لديها لتضيعه في ترخيص نفسها أو إلهاء غيرها بحثا عن قيمة وهمية تستنزف الطاقات و الوقت و العقل الرزين.
لقد نجح أعداؤك ان يحرروك من عبودية الله إلى عبادة رغباتهم فأسقطوك في حقل المتعة و الجمال و جعلوك رمزا للطراوة و النضارة حتى إذا ذبلت أوراقك نسيت كما لم تكوني بالأمس.
- أنت و أنا و هي على هذه الدنيا أتينا لنؤدي الرسالة، فهلا علمت ما هي الرسالة و كيف تكونين، أهلا لحملها حتى تنالين شرف الرسول و الرسالة.
عودي إلى فطرتك التي فطرك الله عليها و سيعود إليك كل شيء جميل. و تعلمي و تعلمي و تعلمي، فالعلم سيزيل عن عينيك الغشاوة و ستتضح لك الطريق فتطمئنين بل تفخرين، لأنك أنثى و تفرحين لانك اختيار الإله و أنت به تؤمنين.