يقال، كل فتاة بأبيها معجبة. و أنا أقول: و محبة، و كم تكون في غيابه مضطربة و متعبة.
كل فتاة ترى في أبيها صورة مقربة، لذلك الرجل الذي ستصير زوجته يوما و صديقته المقربة.
كل فتاة تحمل عن أبيها طباعا و خصالا تكتسبها و تلازمها لتستمر بصمته معها و تبقى في ذاكرتها معاني و لحظات مسربة.
و هو شعر بين الفخر و الرثاء، يحتار المرء ما يكتب فيه و ما يسميه.
و أما أنا، فما كان علي إلا أن أذكر خصالا و أنصف صاحبها لأن ذاكرة الطفولة قوية، و لأن الزمن أكبر شاهد على صدق الأشياء.
هي كلمات بسيطة في حق والدي و كفيلة لتلخص دور الأب و مكانته بالنسبة لأبنائه.
هي قصيدة اخترت لها عنوان:
👈 رسالة إلى والدي
و حين يعتصرني الحنين، أعود للطفولة لأراك،
و لأني قطعة منك،
فمستحيل أن يمر علي اسمك مرور الكرام
يا من علمتني الإخلاص و الخلاص كيف يكون
كيف لا أشتاق إليك و قد رحلت مبكرا
و بقيت أنا بلا أب وحيد
كم كان يملؤني مساؤك دفئا و هيبة
ذاك الكلام الرشيد...
و دون رزانة عقلك و حنكتك
يا أبتي
كلامي هذا ما كنت أجيد.
حدثني عن عالمك الذي سرت إليه ...
حدثني عما وجدته هناك من النعم
و من الكرم من الله العزيز الحميد.
أنا أزورك كلما استنفذت طاقة الرعاية
و رغم كبري
أراني صغيرة في حضنك
كما كنت تضمني و تأويني إليك،
كيف لا و أنت كنت لي ذلك الركن الشديد.
فأشحن عاطفتي و أستزيد...
بعتيق الذكريات
و أستجمع كلماتك الرنانة في أذني
كالدرر أدونها
و أعمق حفرها في قلبي قبل ذاكرتي
كي أستطيع أن أستقبل اليوم الجديد.
فإن كنت أنا هنا
فلأنك أتيت بي هنا
و ما تركتني حبا و لا طواعية
و لكن
أخذتك التي كلنا منها نحيد.
فلئن جمعتني بك حياة غير هذه
لأشتكي إليك مني
و لتروين عطش الشوق
حتى ينعدم الفراق.
في رحاب الغربة...
لا شيء يشبه هذا اليوم
يقاسمني فيه الحلم الأبي
حضور الغائبين كان علي
أشد وطأة من غياب الحاضرين
ينازعني فيهم الحنين
فيشطرني إلى نصفين
فلا ألتحم إلا وقد أخذت صفعة
على وجهي في هذا الواقع المرير.
أمي..
أبي...
و القائمة تهون بعدهما...
و بعدهما
يمتزج كل شيء و يضطرب
ثم تأخذ بعد ذلك الأشياء مكانها
إلا قلبي يظل ينزف...
تعلوه شراشف مسومة
رسمها الموت و ختم عليها
حظا من الألم
من فراق أحبتي
و شيئا من الأمل
عالقا يبقى حتى يحين موعد اللقاء
كان أبي صالحا
كان
أبي صالحا و كنت المدللة
كان في بيتنا قنديل نستضيء بأنواره
و نحتمي به من عثرات
الزمن...
كانت قصصنا معه و كانت الحياة
بطعم مختلف لا نجده الآن
و ليس بإمكاننا أن
نحلم به
لأنه أصبح في خبر كان.
لكني أستطيع أن أستجدي
حب أبي و أحكيه لأبنائي
ليعلموا أن والدي كان معلمي
و قبل كل شيء كان ملاذي
و على يديه عرفت شهادة
ميلادي.
كان
أبي ناصحا و كنت المبجلة،
و لأنني كنت آخر العنقود
كنت أرى فيه الشجرة الثابتة
التي لا يهزها ريح.
لكنني اكتشفت مبكرا
أن الشجر ينكسر و يموت
و كانت تلك صفعة
كباقي الأشياء الأخرى
و لست أنا من الساخطين
على الاقدار و لكن
أبي كان حقا إنسانا
مكافحا
و أنا كنت
و ساظل في حبه مغلغلة